قد تختلف الظروف والأسباب الكامنة وراء سكن المتزوجين الجدد مع آبائهم، وإن كان جلها ينصب على غلاء المعيشة والارتفاع الصاروخي للعقار. «لالة فاطمة» التقت ثلة من الشابات والشباب أجبرتهم ظروفهم المادية والاجتماعية على اقتسام البيت مع أهاليهم.
الأسباب كثيرة والظروف تختلف من شخص إلى آخر»، يقول سعيد متزوج حديثا ويقطن رفقة عائلته المتكونة من والديه وثلاثة من أشقائه « تزوجت منذ سنة تقريبا، وأتقاسم مع أهلي شقتهم الصغيرة علما أن زوجتي وضعت منذ أيام طفلنا الأول. العين بصيرة واليد قصيرة.
لقد كان بودي أن أحقق لزوجتي استقلاليتها، لكن ظروف الحياة لا ترحم لاسيما في مدينة بحجم الدارالبيضاء، فالأسعار ترتفع سنة بعد سنة، والمصاريف اليومية تستحوذ على القسم الأكبر من المدخول، وبالتالي كيف لي أن أستقر لوحدي براتب لا يتجاوز 3000 درهم شهريا. الله يشوف من حالنا وصافي «. وتؤيد حكيمة رأي سعيد قائلة « في ظل موجة غلاء العقار التي تعرفها بلادنا، قد أرضخ للعيش مع أهل زوجي إلى حين توفير مصاريف البيت المستقل شرط أن يكون استقراري معهم مؤقتا، فشخصيا أفضل أن أكون بعيدة عن مشاكل أهل الزوج«. ويضيف خالد «الإيجابيات تغلب على السلبيات في السكن المستقل، حيث يكون التفاهم بين الزوجين بدون تدخل طرف آخر، بالإضافة إلى أن الزوجين يشعران بالحرية في بيتهما. فالسكن مع الوالدين له سلبياته الكثيرة والزوجان هما الضحايا في نهاية المطاف». وتعلق رجاء، أم للطفلة كوثر البالغة ثلاث سنوات ونصف، وهي التي اضطرت للعيش مع أهل زوجها لأكثر من أربع سنوات « في حال استقرار زوجة الابن مع عائلة زوجها، فإن هذا الأخير بدل أن يرتاح، يعمل عمل القاضي والحاكم لفض الاشتباكات بين الأهل والزوجة. لكن بالنسبة إلي فإنني ولله الحمد استطعت أن أنسجم مع أفراد عائلته، وبالتالي لم أعد أفكر في الاستقرار مع الإشارة إلى أنه لكل زوجين الحق في أن يعيشا الاستقلالية ويبدآن حياة جديدة لأن الزواج مرحلة انتقالية فلنجربها بعيدا عن تدخل الأهل«.
اللي هرب من الزواج هرب من الطاعة
هشام لا يخالفهم الرأي، لكنه يؤكد على إيمانه بالمثل القائل «اللي هرب من الزواج هرب من الطاعة». في إشارة منه إلى أنه وبعد أن تجاوز سن الثلاثين أصبح يفكر بجد في تأسيس عائلة، حيث يقول «تزوجت منذ مدة يسيرة، فاضطررت إلى الاستقرار مع عائلتي لأسباب متعددة، أولا لارتفاع تكلفة السكن والمعيشة ببلادنا في مقابل الأجور الهزيلة، ثم إن أشقائي الذين سبقوني في الزواج مستقرون هم كذلك في منزل العائلة، وبالتالي لم أجد حرجا في البداية، لكن هذا لا يمنع من جدية التفكير في الاستقرار في بيت مستقل خاصة بعد إنجاب ابني ريان«.
سمية بدورها تؤكد على أنه «لا توجد سلبيات للسكن في منزل مستقل والإيجابيات التي اكتشفتها هي تحمل المسؤولية كلها من قبل الزوج و الزوجة، بحيث يكون الرجل هو الوحيد الذي يقرر وللزوجة الحرية الكاملة بالتصرف في شؤون المنزل كاملة، ومواجهة مشاكل الحياة التي تعلمك الصبر وتلقنك تجارب تستفيد منها وتجعلك تدرك القرارات الصائبة من الخاطئة، بدون أن ننسى أن حلم كل زوجة أن تسكن في كوخ مستقل، على أن تسكن في قصر يشاركها فيه أخريات». ومن السلبيات كذلك، تردف سمية «مشاركة أشخاص آخرين وإن كانوا الجد والجدة أو الأعمام والعمات، بتربية الأطفال وتدبير المنزل والتدخل في الشؤون الخاصة، وهذا من شأنه أن يقلب حياة الزوجين رأسا على عقب«.
خوفا من تحمل المسؤولية
إذا كان السواد الأعظم من الذين التقيناهم أكدوا على اضطرارهم السكن مع ذويهم لارتفاع تكلفة العيش والسكن، فإن البعض الآخر لا تعوزه الظروف المادية والاقتصادية والاجتماعية بقدر ما يفتقر إلى التحلي بالمسؤولية والاعتماد على الذات. تقول حياة «أفضل السكن مع أهل زوجي على الاستقرار في بيت منفرد رغم أن مدخولنا الشهري يتجاوز 20 ألف درهم، وذلك لأسباب كثيرة ومتعددة، من بينها مثلا أنني لست من النساء اللواتي يستطعن التوفيق بين العمل داخل البيت وخارجه، هذا من جهة ومن جهة أخرى لست كذلك من اللواتي يستطعن العناية والاهتمام بالأطفال بدون وجود مساعد، وشخصيا أفضل أن تكون المساعدة من أهلي وليس من طرف خادمات يفضلن التلذذ بتعذيب أبناء مشغليهم«. ويشارك يونس حياة الرأي معلقا «متزوج منذ خمس سنوات تقريبا وأقتسم البيت مع والدتي بعد زواج إخوتي ووفاة الوالد، وبالتالي لا أفكر في بيت آخر لأنني من جهة لا أستطيع ترك أمي لوحدها، ومن جهة أخرى فهي تساعدني كثيرا وتتحمل مسؤولية تربية بناتي ومساعدة الزوجة في أمور البيت«.
الزواج استقرار واستقلال
أكدت الأستاذة السعدية أعنطري، مستشارة اجتماعية،أستاذة جامعية وعضو المكتب التنفيذي لمنتدى الزهراء للمرأة المغربية في لقائها مع «لالة فاطمة» أن ظاهرة السكن مع الوالدين ليست بالظاهرة الجديدة على البلدان العربية، فهي مرتبطة بأصول وتربية الأسرة العربية المسلمة منذ زمن طويل، موضحة أن الظاهرة يجب وضعها في إطارها التاريخي والثقافي والاجتماعي، وبالتالي فهي غير مرتبطة بالجانب الديني على خلاف ما يعتقد الكثيرون.
بل على العكس، تقول الأستاذة الجامعية، فالزواج يحمل في طياته مفهوم الاستقرار والاستقلال، وهذان المفهومان لا يمكن تحقيقهما بدون استقلال البيت ومن هنا كان من مستحبات الزواج أن يوجد بيت مستقل للزوجين حتى يستطيعان تأسيس حياتهما بطمأنينة وأمان.
إلا أنه ولظروف معينة فإن الزوجان يضطران إلى اللجوء إلى بيت أهل الزوج للعيش معهم أحيانا بشكل مؤقت أو بشكل نهائي، وتتلخص أسباب هذا الاختيار حسب السعدية أعنطري، في العنصر المادي المحض الذي يحتم على الزوج العيش مع أهله كي يقتصد مبلغ الكراء أو الشراء، ثم هناك حالات من الأزواج يعيشون مع الأسرة الكبيرة ويتقاسمون الأكل والشرب وهذا لا يكلف الزوج ماديا، ثم هناك التقاليد والعادات التي تجعل الشباب مرتبطا بشكل كبير وربما أحيانا بشكل غير عادي مع أسرته، إذ تعتبر بعض الأسر خروج ابنها للاستقرار بعيدا عنها أمرا غير عادي، بل أحيانا نجد أن بعض الآباء يلزمون أبناءهم على العيش معهم ويربطون هذا الأمر برضاهم عنه، وأنه إذا خرج من البيت فإن الآباء يكونون غير راضين عنه. من هنا تبدأ النتائج السلبية، تضيف المستشارة الاجتماعية السعدية أعنطري، التي تتراكم منذ الأسابيع الأولى لاصطدام الزوجة بعائلة الزوج وتبدأ المشاكل بين الزوجين على مستوى علاقتهما مباشرة بعد الزواج، وربما لا يجدان الوقت المناسب للتفاهم في ما بينهما.
ويتعقد الوضع عندما ينضاف الأطفال إلى العائلة، حيث يكون مشكل تربيتهم قائما، إذ لا يستطيع الزوجان تربيتهما لوحدهما، وبالتالي يتدخل الأجداد والأعمام والعمات فيبدي كل واحد رأيه وتتناقض الآراء ويصبح الأطفال هم الضحية الأولى لهذه الآراء المتناقضة. يمكن اعتبار عيش الزوجين مع الأسرة الكبيرة أمرا اضطراريا ويستحسن عدم اللجوء إليه، إلا في الحالات الاستثنائية حتى لا يفقد الزواج معناه الحقيقي.