أولا عندما يعالج علم الاجتماع هذه القضايا، فإنه ينظر إليها من وجهة نظر محايدة دون أن تتحكم العواطف في هذه القضية أو تلك. أنا أرى أن كثرة الإنجاب هي مسألة بيولوجية أولا وثقافية واجتماعية ثانيا، لكن نحن نعرف الآن بأن هناك الكثير من التغييرات التي وقعت على المجتمعات، فبقدر ما يكون المجتمع متشبعا بقيم تقليدية تشجع على الولادات، بقدر ما يتم التشبت بهذه المسألة.
التغييرات التي أحدثت على نمط الحياة وعلى النظرة للأطفال، سنلاحظ أن عدد الولادات لم يعد بذلك الشكل الذي كان عليه في السابق، والنظرة السريعة على المسألة الديمغرافية مثلا في المغرب نلاحظ أن نسبة الخصوبة الآن لم تتعد 2,1 في المائة، في الوقت الذي كانت في السنوات الماضية على الأقل ما قبل الثمانينات، عندما كانت الأم المغربية تصل في المتوسط إلى ما بين 7 و 8 أبناء، الآن نجد أن معظم الأسر لا تتعدى طفلين إلى أربعة على أكبر تقدير، معنى ذلك أن نسبة الولادات قلت، ليس بفعل النظرة التي كانت سابقة عن كثرة الولادات، ولكن أيضا نظرا لما أصبح يتطلبه الأطفال من عناية، الصحة، واللباس، والدراسة والتكوين، هذه المسائل لم يكن التفكير فيها عندما يرغب الآباء في الإنجاب، لذلك المقولة التي كان يرددها البعض من الناس أو البعض من الأمهات على أنه عليك أن تتحكمي في زوجك عن طريق الولادات، هذه المسألة تجاوزها الزمن، وحتى في ذلك الوقت لم تكن الولادات تحول دون وقوع الطلاق. نحن نعرف أن الطلاق أحيانا يحصل في أسرة يفوق عدد أبنائها السبعة والثمانية، وكان يطلق زوجته ويتزوج مرة أخرى وينجب أطفالا، هذه الأمور ليست حائلا دون الانفصال.
لذلك كثرة الولادات لم تكن لتمنع الزوج عن الانفصال، ولكن كانت تدخل في إطار ثقافي اجتماعي، وربما حتى ديني، انطلاقا من الحديث “تناكحوا تناسلوا فإني مباه بكم الأمم يوم القيامة”.
إذن مسألة كثرة الأبناء الآن لم تعد مرتبطة بتلك الاعتقادات، التي كانت سائدة في السابق، على اعتبار أن كثرة الأبناء هي التي ترغم الزوج على الحفاظ على زوجته أو أن أمهات البنات كن يوصين بناتهن على كثرة الإنجاب، لأن الأبناء هم الضمان.
هذه المعتقدات أصبحت بالية الآن، ولم تعد صحيحة ولم تكن صحيحة حتى في ذلك الوقت على اعتبار أن الطلاق كان موجودا حتى مع كثرة الأولاد.