غالبا ما يحذر الأطباء والاختصاصيين السيدات من الإنجاب في سن متأخرة لارتفاع نسبة العيوب الخلقية في مواليد أمهات يزيد عمرهن عن الأربعين. لكن في السنين الأخيرة تغيرت هذه المفاهيم بعد ارتفاع سن الزواج واهتمام المرأة أكثر بمستقبلها العملي قبل التفكير في تكوين أسرة وإنجاب أطفال.
أم أكثر هدوءا
أغلب الأمهات اللواتي التقتهن “لالة فاطمة” أكدن بأنهن يتمتعن بإضافة جديدة ممتعة في حياتهن بعدما حققن معظم آمالهن وطموحهن في الحياة، تقول حسناء، 42 سنة أم لطفلة في شهرها التاسع “سن الأربعين عند المرأة بشكل عام هو بداية مرحلة تخافها وتخشاها كل سيدة بل وتحسب لها ألف حساب وتصيبها بتوتر عصبي ونفسي، لأنها تشعرها بأنها بدأت تفقد ربيع الحياة والأنوثة والجمال، لكنني بخلافهن أقول بأن سن الأربعين هو سن نضج السيدة وهدوئها، أما عن حملي في سن متأخرة فهذا ليس اختيار بل نصيبي “ما جاش بكري”. وبابتسامة عريضة تضيف حسناء: الحمدلله فبالرغم من تعرضي للكثير من المشاكل الصحية أثناء فترة حملي، مما دفع بالطبيب إلى إجراء ولادة قيصرية مبكرة”، تعلق حسناء “بالرغم من كل هذا فأنا سعيدة جدا بأمومتي ولو في سن متأخرة وأسعد أنني لم أحرم زوجي من كلمة بابا”. حسناء كانت تتحدث بروح طفلة بريئة وهي تروي ايجابيات وسلبيات الأمومة المتأخرة قائلة “لا أرى أن ثمة من سلبيات بل بالعكس، فالأم في هذا السن أكثر هدوء وقدرة على الصبر والصمود ومواجهات الأزمات، كما أن هبة الأمومة غير مرتبطة بوقت أو زمن معين”.
“أم رغم التحذيرات”
وبخلاف حسناء التي حملت بشكل طبيعي جدا ولو أنها تجاوزت سن الأربعين، فإن حنان قضت أزيد من عقد من الزمن في العلاج والمحاولات الفاشلة، لتحمل أخيرا وترزق بطفل بعد أن تجاوزت الأربعين بثلاث سنوات. فحبها للصغار لم يجمح رغبتها في طفل يمنحها نعمة الأمومة على الرغم من التحذيرات المتواصلة من تبعات الإنجاب في هذه السن، تقول حنان لـ”لالة فاطمة”: تزوجت منذ أربعة عشر سنة عن حب، مرت الأربع سنوات الأولى ونحن ننتظر قدوم ثمرة هذا الحب دون جدوى، فلجأنا للطبيب الذي أكد أن زوجي يعاني من ضعف في الحيوانات المنوية، فاقترح علينا التلقيح الاصطناعي الذي لم ينجح في المرة الأولى، فكررت التجربة ثلاث مرات “حتى جاب الله التسير”، حلمي وراء الأمومة كان أكبر من قدراتي المادية مما اضطرني للاقتراض وبيع بعض لوازم بيتي”، تضيف حنان بحسرة ممزوجة بفرحة كبيرة“كل هذا لا يهم مادمت أنني أصبحت أما ولو في سن متقدمة”.
“أم بعد 20 سنة زواج”
أما سهام،47 سنة، أم لطفلة في عامها الثاني فقد طرقت جميع الأبواب بما فيها باب العرافات لتحقيق حلم الأمومة، تحكي عن تجربتها الأشبه بالأفلام السينمائية للالة فاطمة “حاولت بجميع الطرق أن أرزق بطفل يملأ البيت فرحا لكن دون جدوى بالرغم من أن كل التحاليل الطبية تؤكد أننا سليمين وليس هناك من مانع للإنجاب، مما اضطرني للسماح لزوجي بالزواج بامرأة أخرى حتى لا أحرمه من نعمة الأبوة، ومن الشهر الأول تلقى نبأ حمل زوجته، فلم أتحمل فطالبت بالطلاق”. تروي سهام “بعد مرور سنة تقريبا، تقدم للزواج بي رجل توفيت زوجته وتركت له أبناء صغار، فلم أتردد وقلت في نفسي أخيرا سيتحقق الحلم وسأكون أما، وبالفعل عاملت أبنائه الثلاثة وكأنهم صغاري من لحمي ودمي، لتحصل المفاجأة ويقع ما لم يكن في الحسبان، بعد مرور خمسة أشهر على زواجي سأحمل تحت وقع الصدمة وعدم التصديق. أحمد الله وأشكره فقد مر حملي ووضعي في ظروف جيدة”.
“آباء في خريف العمر”
إذا كانت آراء الأمهات تتجاهل سلبيات الأمومة المتأخرة وتتحدث فقط عن ايجابياتها باعتبارها حلما يتحقق، فإن للآباء رأي آخر. يقول عمر، 52 سنة أب لأول مرة لطفل في عامه الأول بأنه يشعر بحرج كبير عندما يكون رفقة ابنه، لأنه يبدو كجده، لا يجد القوة والطاقة لمشاركته ألعابه الطفولية، لكنه في المقابل يمنحه كل ما يحتاج إليه من حب وعطف ومحبة وأمن وحماية وراحة ورعاية.
أما ابراهيم، 57 سنة أب لطفل في عامه السابع يعلق قائلا: عندما يكون الأب شيخا والإبن طفلا، فإن أساليب التواصل تكون شبه مقطوعة، فلم يعد للوالدين الجهد والصبر الذى تتطلبه تربية الصغار، ويظهر ذلك فى الإجهاد الذي ينتاب الأم الكبيرة في السن، بالرغم من إخفائها ذلك، أثناء مشاركته مرحه وهو فى سن اللعب، وبشكل جلي عند الأب الذي يتعثر وهو لا يستطيع الركض خلف صغيره فى الحدائق والمنتزهات. ناهيك عن العصبية وعدم الصبر.
بين سلبيات وايجابيات الأمومة والأبوة المتأخرة، يتخبط الكثير من الأزواج في جملة من المشاكل بشكل يومي، جراء معاناة مادية ونفسية واجتماعية، تفرضها عليهم طبيعة التجارب المتعددة، التي يخضعون لها، في بحثهم عن الإنجاب، وما تفرضه من كلفة مالية كبيرة، لا تغطيها مؤسسات التأمين والصناديق الاجتماعية للتغطية الصحية، في الوقت الذي تتوفر فيه مجموعة من الإمكانات العلمية والطبية التي ترفع حظوظ الإنجاب عند الأزواج المصابين بصعوبات الإنجاب وتحقيق أمومتهم وأبوتهم.