بدأت شوارع بعض المدن المغربية تكتسب مذاقات جديدة على غرار المدن الأوروبية الكبرى، منذ أن انتشرت ظاهرة جديدة، حيث أصبح الشباب يعرضون مواهبهم أمام عامة الناس من خلال العزف على آلات موسيقية أو الغناء أو القيام بعروض بهلوانية وغيرها من المواهب. مجلة لالة فاطمة التقت بعدد من الشباب، الذين قرروا إبراز مواهبهم للجمهور في فضاء مفتوح، ليحكي كل واحد تجربته الخاصة.
كأنني في شوارع إحدى المدن الأوروبية، هذا ما قالته السائحة الإسبانية إستيفاني لمجلة لالة فاطمة، خلال حضورها لإحدى العروض الموسيقية في شارع محمد الخامس بالرباط، حينما رأت عددا من الشباب يشكلون فرقا موسيقية وأخرى للرقص والاستعراضات البهلوانية.
تمرير الطاقة للمتفرجين
علي العبوبي من المواهب المواظبة على العزف في الشارع كل مساء، يبلغ من العمر 25 سنة، قال إن فكرة الغناء في الشارع جاءت حينما نظم وأصدقاؤه سفرا إلى مدينة مراكش قبل ثلاث سنوات، حيث استلهموا الفكرة من الحلقة المعروفة بساحة الفنا. كانت البداية من حيث أتت الفكرة، حيث قاموا بالعزف والغناء لمدة شهرين في شوارع مراكش، وحيث إن الإقبال كان كبيرا، نقلوا هذه التجربة إلى مدن أخرى مثل الرباط والدار البيضاء وطنجة والصويرة وغيرها من المدن.
“موسيقى الشارع هي مفتوحة لكل الجمهور، وأي شخص لديه موهبة معينة، أو يرغب في التخلص من الضغط اليومي يمكنه تقديم عرضه في الشارع”.
ألفنا فرقة تتكون من حمزة وفيرناندو اللذين يعزفان على القيتارة، وسيرخيو عازف الناي وأنا أعزف على آلة الجامبي. يقول: نوع الموسيقى التي نقدمها تمزج بين الموسيقى الشرقية والإفريقية واللاتينية.
نحب أن نتشارك موهبتنا مع الجمهور، وأن نشاهد الفرحة في وجوه المتفرجين، لأجل ذلك نحن نستمر في هذا العمل حتى لو لم نكن نحصل بعده على مقابل مادي، ما يهمنا هو تمرير الطاقة التي بداخلنا إلى المتفرجين، كما أن هناك من لا يملك ثمن تذكرة لحضور عرض موسيقي، ونحن نوفر له ذلك بدون تكليف.
لسنا متسولين
إدريس كاروي، 23 سنة، يمارس هواية رقص الهيب هوب منذ سنوات، التقى في الشارع بعدد من الأصدقاء الذين يميلون إلى نفس الهواية، فكونوا فرقة تقوم منذ سنتين باستعراضات في الشارع تسمى الطاقة الإيجابية.
تقوم الفرقة بعروض مسائية في أحياء متعددة بالرباط، وبعد الاستعراض يقومون باقتسام المال الذي يحصدونه مهما كان المبلغ صغيرا. يقول ادريس لمجلة لالة فاطمة: “أعلى مبلغ حصلنا عليه هو 800 درهم، حيث قمنا بعرض في حي أكدال، وأقل مبلغ كان لا يتجاوز 10 دراهم”.
إدريس أكد خلال حديثه أن الهدف من العروض هو فتح المجال لإبراز مواهب عدد من الشباب مثله، مشيرا إلى أن الفكرة جاءت من الولايات المتحدة، حيث خلقت فنون الشارع بما فيها الرقص.
وجوابا على ما يشاع بشأن هؤلاء الشباب، أكد إدريس أن كل ذلك لا أساس له من الصحة، حيث هناك من يقول بأن هؤلاء الشباب مثليون أو يتخذون هذه الهوايات طرقا ليتفننوا في مهن التسول أو ليست لهم عائلات، وقال: “نحن نحب الرقص وسنستمر في الرقص في الشارع، فهناك من يقف ويتفرج علينا باستمتاع، وهذا هو ما نبحث عنه، الاستمتاع وإمتاع الجمهور”.
عروض الشارع فيها مخاطر
رشيد العدواني، مسرحي خريج مدرسة الفنون الجميلة، يبلغ عمره 33 سنة، يقدم عروضا مسرحية في شوارع عدد من المدن المغربية رفقة أصدقائه في الساحات الكبرى وقرب محطات القطارات وفي الشوارع الرئيسية، حيث تعج بالحركة والنشاط. يقول رشيد إن ثقافة فن الشارع هي مترسخة منذ زمن بعيد في الثقافة المغربية، مستدلا بالحلقة في ساحة الفنا بمراكش.
يعتبر رشيد أن هذا النوع من الفنون هو حل بديل للقاء جمهور واسع من كل الطبقات وبشكل مباشر، على الرغم من كونه يشكل خطرا في بعض الأحيان، حيث يمكن أن تقع بعض الحوادث غير المتوقعة، كأن يشارك أحدهم في العروض بطريقة مرتجلة، وهو في حالة سكر أو يحمل في يده ما يمكن أن يتسبب به بالأذى لنفسه أو لغيره. وأوضح في تصريحه “في إحدى العروض تعرضنا لموقف مثيل، لكن لابد من مواجهة هذا النوع من المواقف وإدارته بشكل ذكي”.
وبشأن التعاليق التي تصدر من الناس يرد رشيد: “تلك الآراء السلبية لا تعني لي شيئا، فهناك في المقابل من يقف ويتفرج ويستمتع، وبالنسبة للمواهب التي تختار الشارع فضاء لإبراز مواهبها، فمع مرور التجارب نكتسب مناعة ضد هذا النوع من التعليقات”.
تمسك رشيد بحلمه جعله يفكر في مشروع جديد، يحمل شعار
” لنملأ الفراغ بالشعر المناسب…” وعلق موضحا: “لأن الشعر حاضر أينما وليت سنقرأ الشعر للعموم، ولأن الملل والفراغ هو القاتل لشاعرية الحياة سنجعلها تحيى بقراءات شعرية تكتسح مسامع المارة”.
الأجانب يستمتعون أكثر
سنوبي واحد من بين العديد من الشباب الذين عشقوا فنون السيرك، شدد على أن فناني الشارع هم فعلا موهوبون “نحن لا نتسول، ولا نجبر المتفرجين على منحنا النقود”.
يقول سنوبي متسائلا هم يعتبرون أننا مساكين، ولكن من قال لهم ذلك؟ ويضيف: “المغزى من العروض التي نقوم بها في الشارع منذ أربع سنوات أنا وأصدقائي هو تقريب السيرك إلى الجمهور، لأن ثقافة السيرك غير موجودة عند العرب، والأجانب هم أكثر الأشخاص الذين يقدرون عملنا، ويستمتعون بعروضنا”.
يحكي سنوبي أنه تعرض لموقف محرج وهو يقدم عرضا في إحدى شوارع لبنان، وقال إنه حينما كان يعرف بنفسه ويقول إنه فنان شارع كان معظم الناس يعتقدون بأنه ابن الشارع، وعندما يخبرهم بأنه درس الهندسة، كانت نظرتهم إليه تختلف، حيث يدركون وقتئذ أنه ضحى بأشياء كثيرة من أجل ممارسة هذا النوع من الفن على حد تعبيره.
غرباء عن الآخرين
مريمة في أوائل العشرينات، لها أسلوب خاص في اللباس، هي واحدة من الفتيات القليلات اللواتي يمارسن فن الشارع، وهي تنتمي إلى نفس فرقة سنوبي. تحب بدورها السيرك، وتقول في تعليق على نظرة الناس إليها عندما تكون برفقة باقي الشباب في عروض بإحدى المدن المغربية: “لا أدري كيف يمكن أن أصف ذلك، ولكن يمكنني أن أقول بأنهم يجدوننا غرباء، وحتى في طريقة لباسنا في كثير من الأحيان نتلقى عددا من التعليقات، ولكننا لا نجيب عليها”.