تتجدد أجواء البهجة في مراكش مع قدوم فصل الربيع . حيث تنطلق فعاليات “زهرية مراكش – موسم تقطير ماء الزهر” بتنظيم من جمعية منية مراكش لإحياء وصون التراث المغربي. هذه الفعالية الفريدة، التي تمتد من 21 مارس إلى 14 أبريل، ليست مجرد احتفال عابر، بل هي طقس سنوي يكرّس ارتباط المدينة بعبق التاريخ وأريج الزهر.

عبق النارنج… نفحات من التراث والروحانية
في قلب مدينة الألف سحر، تزين شجرة النارنج (البرتقال المر) أزقتها وحدائقها بزهورها البيضاء التي تنشر عطراً أخاذاً، يملأ المساجد والزوايا والرياضات بعبق روحاني فريد. ومع تفتح كل زهرة، تبدأ النساء، حارسات هذا التراث العريق، في عملية تقطير ماء الزهر، وهي حرفة متوارثة عبر الأجيال، تتجاوز كونها مجرد صناعة إلى كونها رمزاً للهوية الثقافية والروحية لمراكش.

نساء مراكش… حافظات سر ماء الزهر
سواء داخل البيوت، أو في التعاونيات، أو ضمن الجمعيات التراثية، تلعب النساء دوراً محورياً في إحياء هذا الفن الأصيل، مما يعزز مكانته في النسيج الاجتماعي للمدينة. وفي خطوة بارزة، نجحت جمعية منية مراكش سنة 2022، وبدعم من اليونسكو، في إدراج هذه العادة ضمن قوائم الإيسيسكو، وهي اليوم تسعى بالتعاون مع وزارة الثقافة لتسجيلها كتراث ثقافي لا مادي لدى اليونسكو.
تقرؤون أيضا : “تراث المغرب”: سلسلة وثائقية مميزة لتثمين الموروث الثقافي المغربي

مهرجان نابض بالحياة… مزج بين العلم والفن والطبيعة
لم يعد موسم تقطير ماء الزهر مجرد تقليد منزلي، بل تحول إلى حدث ثقافي عام يحتفي بجوانب متعددة:
- بعد علمي وحرفي: ازدهار صناعة أجهزة التقطير وزيادة الطلب عليها.
- بعد بيئي: مبادرات لإعادة زراعة أشجار النارنج المهددة بالانقراض في المناطق الحضرية.
- بعد أدبي وموسيقي: عروض فنية وأمسيات شعرية وموسيقية تمجد هذا التراث العريق.
- بعد اجتماعي وتفاعلي: ورشات مفتوحة للجمهور لتجربة التقطير، وموكب استعراضي ساحر يضفي على المدينة أجواءً احتفالية بامتياز.

النسخة الثالثة عشر… انفتاح أوسع وشراكات أقوى
في هذه الدورة، يشهد المهرجان توسعًا لافتًا من خلال إشراك المؤسسات التعليمية والمقاولات السياحية، بل وأكثر من ذلك، فقد قررت جامعة القاضي عياض تعزيز مكانة الزهرية أكاديميًا عبر إشراك الطلاب في أبحاث علمية حول شجرة النارنج وأبعادها البيئية والثقافية والاجتماعية.

زهرية مراكش… عندما يلتقي التراث بالحاضر
من خلال تحويل احتفال تقطير ماء الزهر من طقس منزلي تقليدي إلى مهرجان مفتوح يعكس الروح الجماعية لمراكش، تسهم جمعية منية مراكش في إضفاء دينامية جديدة على المدينة، حيث يمتزج عبق الماضي بأفق المستقبل، وتتحول لحظات التقطير إلى تجربة فريدة، تعيد إحياء الذاكرة الجماعية وترسّخ أهمية التراث النسائي في صون هوية المدينة الحمراء.
إذا كنت تبحث عن تجربة استثنائية تجمع بين العطر، والجمال، والتاريخ، فلا تفوّت فرصة الانغماس في أجواء زهرية مراكش، حيث يفوح العبير، وتنبض المدينة بالحياة!
