في إحدى الزوايا الهادئة في حي فوكس تشيس بفيلادلفيا، وفي صباح شتائي بارد من عام 1957، كانت جريمة مروعة تنتظر الكشف. على طريق مهجور قرب منطقة غابات، اكتُشف جسد طفل صغير عارٍ ومهمل داخل صندوق كرتوني. كان الطفل مجهول الهوية، يحمل آثار سوء معاملة قاسية وسوء تغذية، لتبدأ قصة مؤلمة امتدت لستة عقود، قبل أن يُكشف النقاب أخيرًا عن هويته الحقيقية.
الاكتشاف المروع
في 25 فبراير 1957، بينما كان شاب يبحث عن فخاخ للحيوانات، عثر على صندوق كرتوني كبير لسرير أطفال من JCPenney. و داخل الصندوق، وجد جسد طفل صغير، عمره لا يتجاوز الأربع سنوات، عاريًا ومغطى ببطانية رثة.
أظهرت التحقيقات أن الطفل كان يعاني من سوء تغذية شديد، وكانت آثار الضرب بادية على جسده الصغير، مع كدمات متعددة وكسور قديمة. لفتت الشرطة الانتباه إلى أن شعره قُص حديثًا بطريقة غير متقنة، كما أن أظافره كانت مشذبة حديثًا.
هذا المشهد المروع أشعل فتيل تحقيق ضخم، حيث علّقت الشرطة صور الطفل في كل مكان بفيلادلفيا. كما و قد تم نشر القصة في الصحف، وطلبت السلطات من الجمهور المساعدة في التعرف عليه أو تقديم أي معلومات عن الجريمة.
البحث عن الإجابات
لم تترك السلطات أي خيط دون متابعة. حيث طرحت عدة نظريات حول هوية الطفل وأسباب مقتله، لكنها جميعها انتهت إلى طريق مسدود.
فرضيات التحقيق:
- اعتقدت الشرطة في البداية أن الطفل قد يكون من دار رعاية قريبة، لكن لم يتم العثور على أي دليل يربط الجريمة بالمكان
- أشار البعض إلى أنه ربما كان لاجئًا من الثورة الهنغارية عام 1956، حيث هربت العديد من العائلات من البلاد خلال تلك الفترة.
- ادعت امرأة من أوهايو أن والدتها اشترت الطفل من تجار بشر عام 1954، واحتجزته في قبو منزلهم قبل أن تقتله في نوبة غضب. رغم أن قصتها كانت مقنعة، إلا أن الشرطة لم تتمكن من التحقق منها.
على مر العقود، أصبح الطفل يعرف باسم “الطفل في الصندوق”، وخلدت هذه التسمية على شاهده في مقبرة Ivy Hill بفيلادلفيا.
اقرأ أيضا :
لغز مقتل المراهقة الذي استمر 36 عامًا
بعد 65 عامًا من الانتظار
رغم الجهود المستمرة، بقيت هوية الطفل لغزًا حتى عام 2022، عندما استطاع العلم أن يقدم إجابات حاسمة.
ففي عام 2019، قررت الشرطة استخراج رفات الطفل مرة أخرى لاستغلال تقنيات تحليل الحمض النووي المتقدمة. استغرق الأمر عامين ونصف لتحليل العينة المأخوذة، نظرًا لتدهور الحمض النووي على مر السنين.
بفضل تقنية الأنساب الجينية، تمكن المحققون من تتبع الحمض النووي للطفل إلى أقارب بعيدين على قاعدة بيانات Ancestry.com. ومن هناك، توصلوا إلى عائلته المباشرة.
الكشف عن الاسم:
في ديسمبر 2022، أعلنت الشرطة أن الطفل المجهول هو جوزيف أوغستوس زاريلي، ولد في 13 يناير 1953. كان جوزيف يبلغ من العمر 4 سنوات فقط وقت وفاته. تم التأكد من هويته عبر شهادة ميلاده التي حصلت عليها الشرطة بأمر قضائي.
لغز لم يُحل بالكامل
رغم الكشف عن هوية الضحية، بقيت أسئلة حاسمة دون إجابة:
- من قتل جوزيف؟
- ما الظروف التي أدت إلى مقتله؟
- لماذا تم التخلص منه بهذه الطريقة البشعة ؟
أكدت الشرطة أن والدي جوزيف قد توفيا، لكن له أشقاء ما زالوا على قيد الحياة. من أجل احترام خصوصيتهم، لم يتم الكشف عن هوية والديه.
مع مرور الوقت، تزداد صعوبة القضية؛ فالقاتل قد يكون توفي أيضًا. لكن المحققين يأملون أن يسهم الإعلان عن هوية الطفل في استعادة ذكريات بعض من عاصروا تلك الفترة.
النهاية المؤلمة والراحة المتأخرة
اليوم، لم يعد جوزيف “الطفل في الصندوق ” مجهولا حيث وُضع اسمه على شاهده في مقبرة Ivy Hill ، إلى جانب صورته. أصبح قبره مكاناً لتكريم ذكرى طفل لم يُعرف إلا بعد عقود، وتُزينه الزهور والألعاب والديكورات الموسمية.
الجريمة التي صدمت فيلادلفيا والعالم ستبقى جزءًا من تاريخ المدينة، لكن اسم جوزيف أوغستوس زاريلي يعيد للطفل بعضًا من كرامته التي سُلبت في حياته القصيرة.
قصة “الطفل في الصندوق” تظل تذكيرًا مأساويًا بأهمية السعي لتحقيق العدالة، حتى وإن طالت الرحلة.