تختلف الأساليب والطرق ويبقى الحب واحدا. هذا هو واقع أزواج مغاربة مع الحب، فلكل منهم طريقته الخاصة في التعبير عما يختلج صدره من مشاعر وأحاسيس تجاه شريكته. في هذا التحقيق سنقترب أكثر من طرق وأساليب تعبيرهم في إظهار حبهم. فما قد يبدو بأنه جفاء عند البعض قد يكون أكثر عاطفية مما يبدو عند البعض الآخر.
الغالبية العظمى من الرجال لا يجيدون التعبير عن مشاعرهم، هذا ما أكدته الكثير من الدراسات، بل منهم من يتحفظ في الإفصاح عن أحاسيسه تجاه زوجته، مما يجعل العديد من الزوجات يرفعن يافطة البرود العاطفي، رغم التوق الدائم لرجل يشنف آذانها بكلمات الحب.
المغربي جاف بطبعه
يقول إبراهيم، متزوج منذ عشرين سنة “بالرغم مما يقال في حق المغربي والرجل الشرقي بشكل عام من كونه جاف المشاعر وناذرا ما يطلق العنان لأحاسيسه للتعبير عما يختلجه تجاه زوجته، فهو يبقى رجلا رومانسيا، فإذا لم تكن الكلمات تسعفه وتخونه في كثير من الأحيان، فتصرفاته خير دليل”، وعن أسلوبه وطريقته في التعبير عن حبه يقول “أعبر عنه عن طريق الهدايا والاهتمام في مناسبات كثيرة تجمعنا. فقد أشتري لها قطعة ثوب أو حلي وأحيانا اقتناء قطعة حلوى قد تفي بالغرض”.. وبابتسامة عريضة يعلق إبراهيم “اتهام المغربي بجفاف مشاعره لا أساس له، فهو ملك الرومانسية، لكن رومانسيته مختلفة تتلون بطبيعة الظروف الاجتماعية والاقتصادية والنفسية، قد تكون طريقة تعبيره مختلفة لا غير، لأنه في نظري الرجل الشرقي عموما صعب أن يعبر عن مشاعره للمرأة، بالرغم من أن أقوى قصص الحب التي عرفها التاريخ كان أبطالها عرب”.
لغة موليير للتعبير عن الحب
“كانبغيك” و”كنحماق عليك”.. كلمات لا تساعد على التعبير، يقول عمر، متزوج حديثا “لهذا ألجأ للغة موليير كلما أردت التعبير عن حبي لزوجتي، فكلمات مثل je t’aime, je t’adore … بسيطة في نطقها ولا تفتقد للجمالية كدارجتنا المغربية، فهي سلسة وتشعر بها أكثر مصداقية”، يضيف عمر بسخرية “أحيانا أتعمد قول كلمة تنبغيك لزوجتي، لكن لا أخفيكم تشعرني وكأنني أكذب عليها ولست صادقا معها “فحال الى تنتفلى عليها”، لهذا أعمد للتعبير باللغات الأجنبية، فهي أكثر راحة ولا تجد أي مركب نقص في التلفظ بها”.
عطور وورود
بخلاف عمر الذي يرى في اللغات الأجنبية مجالا رحبا للتعبير عما يختلج صدره من مشاعر تجاه زوجته، فإن محمد، متزوج منذ سبع سنوات يرى أن شريكة حياته مع مرور السنوات أصبحت متطلبة أكثر، ولم تعد الكلمات تعبر بصدق عن مشاعره تجاهها، مما جعله يغير من أسلوبه فأصبح بين الفينة والأخرى يهديها عطرا وبعض مستحضرات التجميل كدليل حبه لها وكتعبير عن صدق مشاعره، يقول لـ”لالة فاطمة”: “في بداية زواجنا كنت أعبر عن حبي وتقديري لزوجتي بكلمات نابعة من القلب، لكن مع الوقت أحسست بأن كلمات مثلا “حبيبة تنبغيك، ما نقدرش نعيش بلا بيك، أنت عمري وحياتي”.. وغيرها من الكلمات التي يبدع الرجل المغربي ويتفنن في قولها لم يعد لديها نفس الوقع، فاستبدلت الكلمات بهدايا لا يهم ثمنها بقدر ما تهمني تلك الابتسامة، وذلك البريق الذي يشع من عيني زوجتي عندما أقدمها لها”.
التعبير عن الحب دليل ضعف الزوج
وبخلاف ما قيل من قبل، فإن لعبد الكريم، متزوج منذ 38 سنة رأي آخر، يقول “الحب لا يحتاج للتعبير وعندما يفصح الرجل عن مشاعره يصبح ضعيفا أمام زوجته، وهو ما قد تستغله الزوجة لصالحها فتبدأ في التلاعب به، فتصرفات الرجل خير دليل على حبه وبدلا من قول “أحبك” في كل وقت وحين يكفي أن تتصرف بلطف”. وعن هذه التصرفات التي قد تكون بديلا يقول عبد الكريم “إصلاح بعض الأشياء داخل البيت هو دليل حب، إخراج النفايات إلى الخارج دليل حب كذلك، وتذكير الزوجة بموعد أخذ دوائها دليل حب أيضا..”.
المهدي العلوي الأمراني، أخصائي نفسي ومعالج أسري: المرأة أكثر قابلية وقدرة على التعبير عن الحب مقارنة بالرجل
يعتبر التعبير عن الحب مكونا مهما من مكونات العلاقة الزوجية، ويختلف هذا التعبير اختلافا جذريا وفقا لعوامل كثيرة، بين الرجل والمرأة أولا، ثم بين السياقات الثقافية المتنوعة ثانيا، ثم حسب المرحلة التي تمر منها الحياة الزوجية ثالثا. وفي هذا الإطار أكد المهدي العلوي الأمراني، أخصائي نفسي ومعالج أسري أنه من الناحية المبدئية تكون المرأة غالبا أكثر قابلية وقدرة على التعبير عن الحب من الرجل الذي يفضل أن يكون هذا التعبير في شكل مواقف وتصرفات واضحة، كما أن بعض الثقافات يسهل عليها التعبير اللفظي عن الحب أكثر من غيرها، كما هو حال الثقافة الغربية مقارنة مع نظيرتها الشرقية مثلا، دون نسيان أن مراحل الزواج الأولى تعرف تعبيرا مضاعفا عن الحب، ويتناقص هذا التعبير تدريجيا ليصل درجة الانعدام في بعض الحالات بعد ذلك.
وأوضح الأخصائي النفسي والمعالج الأسري أن الرجل المغربي لا يخرج عامة عن هذا الإطار، حيث إنه لا يعبر عن حبه لزوجته إلا لماما، وهناك من ينعدم لديه هذا التعبير مطلقا، أو يحصر تعبيره هذا إن وجد على أوقات معينة كوقت العلاقة الحميمية مثلا، ويكون عذره هو خوفه أن يصيب الزوجة نوع من التعالي، ويعتقد جازما أن هذا التعبير يضعه في موقف ضعف تجاهها وهو بطبعه لا يريد الاتصاف بهذه الصفة، لأنه “رجل” و يريد عدم التفريط في هيبته، كما أنه يعتبر هذه الأمور مجرد سخافات وأن عدد السنين التي قضاها برفقة زوجته وما يبذله من جهود لتأمين متطلبات الأسرة هي خير دليل على حبه لها. والأسباب هي واضحة وبديهية، فالإنسان جزء كبير من شخصيته يتشكل من التربية في الطفولة والبيئة المحيطة، وليس هناك أزواج كثيرون في جيل أجدادنا ووالدينا يعبرون لبعضهم البعض عن مشاعر الحب فيما بينهم فما بالك أن يقوموا بالأمر ولو بشكل طفيف أمام أطفالهم، وأما بعض الأمثال الشعبية التي تدعو الرجل إلى التحلي بالغلظة والشدة مع الزوجة فحدث ولا حرج، زد على ذلك بعض التمثلات المنسوبة للدين وهو منها براء، في ضرورة اتصاف الرجل بالجفاء وعدم التعبير العاطفي مع زوجته وأفراد أسرته، دون إغفال قلة حيلة الإنسان عامة في هذا العصر تجاه مشاكله سواء المهنية أو المادية، وانعدام قدرته على الانفصال عنها لما يلج منزله ويكون برفقة أسرته، حيث حالته النفسية لا تسعفه للتصرف بلباقة ولياقة.
وقال المهدي العلوي الأمراني إن الزوجة تتأثر أيما تأثر من هذه المعاملة، لأنها تحتاج بطبيعتها لسماع الكلام المعسول بصفة دورية، ولما يغيب عنها فهي مع مرور الأيام من الممكن أن تفتقد معنى الأنوثة والإشباع العاطفي في حياتها، وهو ما يترتب عنه ردود فعل سلبية ترخي بظلالها على العلاقة الزوجية خاصة والحياة الأسرية عامة. وهنا لابد من الإشارة إلى أن طرق ووسائل التعبير عن الحب متنوعة، ابتداء بالكلام الجميل والهدايا، سواء القيمة أو الرمزية، ومرورا بالحرص على قضاء أوقات مميزة سويا، وانتهاء بما يسديه الزوج لزوجته من خدمات خارج إطار الالتزامات الزوجية، مع العلم أن كل زوجة تفضل طريقة من الطرق أكثر من غيرها، ووجب على الزوج استكشاف ما تفضله زوجته والتركيز عليه، كما وجب على الزوجة تشجيع الزوج على التعبير اللفظي ومدحه جراء أي تطور ومجهود يظهره ولو طفيف، ويلزمها الانتباه لبعض الطرق غير اللفظية التي يلجأ إليها للتعبير عن حبه وتثمينها على غرار النظرات الحانية واللمسات الرقيقة والاهتمام المرهف والإصغاء النشط والابتسامات المعبرة. مع العلم أن الأوقات المليئة بالدفء والتعبير العاطفي خارج أوقات العلاقة الخاصة، تعد مؤشرا جوهريا لمدى صلابة العلاقة الزوجية وعمق الرابطة بين الزوجين، وهذا العامل يغفله كثير من الأزواج ولا يعيرونه أدنى اهتمام، وهو ما يساهم بشكل كبير في الوصول لمرحلة الطلاق العاطفي وما أصعبها من مرحلة. ويبقى قدوتنا الرسول محمد صلى الله عليه وسلم خير مثال لنا، حيث إنه لم يتردد البتة وهو يجيب عن تساؤل أحد الصحابة من أحب الناس إليك أن يقول “عائشة” رضي الله عنها، قبل أن يحدد الصحابي السؤال ويحصره في الرجال، فهو أجاب صلى الله عليه وسلم بكل تلقائية وعفوية دون أن يكترث لما سيظنه الآخرون، ولأنه يعرف قيمة البوح بمدى حب الزوج لزوجته لدى هذه الأخيرة خصوصا في وجود أناس آخرين. وكل الرقي أن يسعى كلا الزوجين لإشباع حاجات الطرف الآخر، ويعد الإشباع العاطفي إحدى الحاجات الجوهرية للزوجة، والتي إن هي أشبعت عاد ذلك بالنفع بشكل واضح على العلاقة الزوجية في كل أبعادها، ويساهم التعبير اللفظي البسيط، والذي لا يلزم نفقات مادية في تحقيق هذه الغاية.