ظهرت جيسيكا وونغسو، المقيمة الدائمة في أستراليا، على شاشة التلفزيون الأسترالي في مقابلة أثارت جدلًا واسعًا بعد ثمانية أعوام قضتها خلف القضبان . حيث تجنبت إعلان براءتها من جريمة قتل صديقتها ميرنا سالهين بتسميم قهوتها بالسيانيد.
لقاء عابر يتحوّل إلى جريمة تهز الرأي العام
في يناير 2016، التقت ميرنا سالهين، 27 عامًا، بصديقتها السابقة جيسيكا وونغسو في مقهى راقٍ بجاكرتا، بعد أن عادت الأخيرة من أستراليا. دقائق بعد تذوقها لقهوة مثلجة أعدّتها وونغسو، بدأت ميرنا تتشنج وسقطت أرضًا، لتفارق الحياة لاحقًا في المستشفى.
تشريح الجثة كشف وجود مادة السيانيد السامة، واتّجهت أصابع الاتهام مباشرة إلى جيسيكا. خاصة بعد مراجعة تسجيلات كاميرات المراقبة التي أظهرت تحركاتها حول الكوب قبل وصول الضحية
محاكمة مشحونة وتفاصيل مثيرة
خلال محاكمة استمرت 4 أشهر وشغلت الرأي العام الإندونيسي، اعتبرت النيابة أن الجريمة كانت “متعمدة ومخططًا لها”، وقدّمت فرضيات حول وجود دافع شخصي، منها غيرة وونغسو من زواج ميرنا، وانزعاجها من تدخل الأخيرة في حياتها العاطفية.
أُدينت جيسيكا بتهمة القتل العمد، وقضت المحكمة بسجنها 20 عامًا، ووصفت الجريمة بأنها “سادية” و”غير إنسانية”. غير أن الحكم واجه انتقادات واسعة بسبب غياب دليل مباشر على وضع السم، واعتماد القضية على قرائن ظرفية وشهادات متباينة.
ثغرات في التحقيق ونقاش حول العدالة
عدة نقاط أثارت الشكوك حول نزاهة المحاكمة. أولها، رفض عائلة الضحية إخضاع الجثة لتشريح كامل. ثانيًا، تقارير السمّية لم تكن حاسمة، بل إن طبيبًا أستراليًا استُدعي للشهادة نفى وجود دلائل كيميائية قاطعة على تناول السيانيد.
البروفيسور سيمون بات، أستاذ علم السموم، وصف التحقيق بأنه “يفتقر إلى الأسس العلمية اللازمة للإدانة”، فيما اعتبر خبراء قانونيون أن المحاكمة تأثرت بتغطية إعلامية مكثفة سبقت نتائج التحقيق.
وثائقي يُعيد تشكيل الرأي العام
في 2023، ساهم وثائقي Ice Cold الذي عرض على “نتفليكس” في تجديد النقاش حول القضية. الوثائقي سلط الضوء على التناقضات في سلوك الادعاء، والضغوط الإعلامية التي سبقت الحكم، وطرح احتمال أن تكون العدالة قد انحرفت عن مسارها.
العمل الوثائقي دفع شريحة من الجمهور إلى التشكيك في إدانة وونغسو، لا سيما بعد كشفه عن ضعف الأدلة واعتماد النيابة على افتراضات نفسية وشهادات غير موثّقة بشكل صارم.
إفراج مشروط وتصريحات مثيرة للجدل
في أغسطس 2024، أفرج عن جيسيكا وونغسو بعد قضائها 8 سنوات في السجن، بموجب نظام الإفراج المشروط لحسن السلوك. فور خروجها، ظهرت في مقابلة تلفزيونية على قناة “Seven” الأسترالية، نافية أن تكون صديقة مقرّبة من ميرنا، ورافضة إعلان براءتها بشكل مباشر.
قالت خلال المقابلة: “لا يمكنني قول إنني بريئة… القوانين تمنعني من الإدلاء بتصريحات قد تفسر كتعليق على القضية”، مضيفة أنها “تسامح الجميع”، لكنها لم تشرح موقفها بشكل صريح.
وعندما سئلت عن سبب وضعها لأكياس التسوق حول كوب القهوة، أجابت بأنها كانت “ترتبها فقط”، دون نية لإخفاء أي شيء.
مراقبة حتى 2032 ومصير قضائي معلّق
رغم إطلاق سراحها، تظل جيسيكا خاضعة لقيود صارمة تمنعها من مغادرة جاكرتا حتى عام 2032. ورغم أن محاولات استئناف الحكم فشلت سابقًا، فإن مراجعة قضائية لا تزال معلّقة أمام المحكمة العليا.
محاموها يأملون في أن تفتح القضية مجددًا، لكن ذلك يظل رهين ظهور أدلة جديدة “واضحة وقوية”، بحسب ما تنص عليه المعايير القضائية الإندونيسية.
قضية لم تغلق بعد
ما بين إدانة قضائية لم تلغَ، وتشكيك قانوني واسع في قوة الأدلة، تظل قضية “قهوة السيانيد” واحدة من أكثر الجرائم إثارة للجدل في إندونيسيا. جيسيكا وونغسو خرجت من السجن، لكن صورتها لم تمح بعد من أذهان الجمهور، ولا تزال العدالة في هذه القضية محل انقسام: هل نفذ الحكم بحق قاتلة حقيقية؟ أم حكم على متهمة دون أدلة دامغة؟
الملف لا يزال مفتوحًا، والحقيقة الكاملة لم تكشف بعد.