تقبل العديد من الفتيات على اتباع برامج غذائية عشوائية، الهدف منها السرعة والتخلص من الوزن الزائد ولو بأية وسيلة، الأمر الذي ساهم في خلق ما يمكن تسميته بثقافة وصناعة الحمية الغذائية، لدرجة أصبح لدينا الآن مئات بل آلاف الأنواع من برامج الحمية، فضلا عن انتشار المراكز الصحية والبرامج التلفزيونية والمجلات المتخصصة والأعشاب والعمليات الجراحية والإبر الصينية، وجميعها يعزف على الوتر الحساس ألا وهو “حلم الرشاقة”. محمد أحليمي، الأخصائي في التغذية والحمية العلاجية يتحدث لنا عن حمية العروس، والانعكاسات السلبية للريجيم العشوائي.
هناك العديد من الفتيات، من بينهن من يستعدن لزفافهن، وصلن لمرحلة الهوس رغبة منهن في الحصول على جسم متناسق. فماهي النصيحة التي تقدمها لهن؟
صحيح فـ”هوس النحافة” بات ذلك الهاجس الذي يشغل الكثيرين، وبات حلم الظهور بمظهر جميل وجسم رشيق يشغل بال الكثيرات، وإن كان أكثرهن هوسا بالحمية هن الشخصيات المعروفة في المجتمع على سبيل المثال الفنانات، وأيضا من يعملن في بعض المهن التي تتطلب مظهرا ورشاقة وقواما خاصا. فإنقاص الوزن هي عملية عادية إذا ما اعتمدت على أسس علمية ومعقولة. ففي العصور القديمة كانت النساء يتنافسن على زيادة الوزن، وكل فتاة يزيد وزنها أكثر من رفيقاتها تكون هي الأجمل، والتي يتقدم لها الشباب للزواج، والآن أصبح العكس ربما لأسباب يعلمها العديد منا مفادها أن الطريق إلى اللياقة والصحة لا يكون بهذه الطريقة، وفقدان الوزن لا يعني حرمان الجسم من الطعام، فـ”الريجيم” غير المعقلن مدمر ومؤشر خطير لأمراض جسيمة، وهناك العديد من “الريجيمات” التي يتم اتباعها من طرف الفتيات دون الوعي بمخاطر ذلك، لأن همهن الوحيد الوصول إلى النحافة. وليكن في علمهن أن ما يأتي بسرعة دائما ما يخفي وراءه سلبيات وآثاره السلبية كثيرة وخطيرة على العضلات وأعضاء الجسم، كالقلب والكلى والدم والكبد والبنكرياس، الشيء الذي يؤدي إلى التعب والإجهاد والضعف العام في الصحة العامة، وكذلك الإصابة بأمراض نقص التغذية وفقر الدم وضعف كفاءة الأنسجة والأجهزة الحيوية الداخلية لوظائفها، وضعف وارتخاء عضلات المعدة والأمعاء.
هذا يعني أن الحمية لها قواعدها وأساسياتها؟
الحمية نظام غذائي، كما قلت سابقا، يعتمد على مواد طبيعية تحترم فيه الحالة الصحية، الميولات الغذائية والمستوى الاجتماعي والحالة النفسية للشخص ومستواه الاجتماعي، فأغلب الناس يعتقدون أن الحمية مكلفة، لكن العكس هو الصحيح، بحيث أقول دائما فبأغذية بسيطة يمكن أن نكون نظاما غذائيا متوازنا وصحيا. وعلى العروس أن تحسن اختياراتها لا من حيث زمن الحمية أو نوعها أو الأغذية. والقاعدة أن كل حمية تقصي غذاء وتركز على غذاء آخر هي حمية فاشلة، فالتوازن من حيث الكم والنوع والتوقيت كلها مفاتيح الحمية الناجحة.
هل صحيح أن خفض عدد الوجبات في اليوم يساعد على إنقاص الوزن؟
أولا يجب الحسم في أمر هام هو كون الحمية ليست نظاما غذائيا فحسب، وهذا خطأ شائع، فالحمية يجب فيها مراعاة درجة الحماس والقبول عند الشخص، ثانيا الجانب النفسي وأهميته تكمن في تأثيره على مراكز الشبع في المخ وعلى هرمون السعادة، لأن الكل يتحدث عن “الريجيم” و كأنه شبح واكتسب سمعة سيئة عنوانها الحرمان والتجويع، وهذا خطأ لأن “الريجيمات” المتداولة إعلاميا أغلبها لا تحترم المبادئ العلمية لعلم التغذية وهدفها ملء الصفحات متناسين أبجديات علم التغذية. فإذا أخذنا على سبيل المثال عدد الوجبات في اليوم هناك من يعتقد وحتى بعض أخصائيي المجال أن التخلي عن وجبة من الوجبات يخفض الوزن… وهذا مبدأ منطقي يبدو صحيحا لكن علميا خاطئ، فمن يأخذ وجبة في اليوم معرض لزيادة الوزن أكثر ممن يأخذ وجبتين، وهذا الأخير معرض لزيادة الوزن أكثر ممن يأخذ ثلاث وجبات أي كلما زادت عدد الوجبات كلما نقص احتمال زيادة الوزن.
كيف تفسرون هذا الأمر؟
في علم التغذية لدينا ما يعرف بمعدل حرق الجسم للطاقة، فعند أخذ وجبات أقل تختل معدلات حرق الجسم للطاقة، والكل يعتقد أنه كلما طالت فترة الجوع كلما حرق الجسم الدهون وهذا خطأ جسيم، ربما في الأسبوع الأول يمكن أن يشعر المرء أن وزنه بدأ ينقص، لأن جسم الإنسان ذكي للغاية لا يعرف الوزن المثالي، ويعرف فقط الوزن الذي تعود عليه مدة طويلة، فنسبب بالتالي صدمة للجسم وهنا تكمن خطورة إنقاص الوزن بسرعة، إذ أننا لا نعطي لجسمنا فرصة للتكيف والتعود، فلا يعقل أن نكسب كيلوغرامات طيلة سنين وعند تطبيق الحمية نرغب في التخلص من الوزن بسرعة.
أين تكمن صعوبة الحمية؟
صعوبة الحمية تكمن في سهولتها ومن نظام غذائي صحي وجب تعلم الإجابة على أربع أسئلة وهي: متى، أين، كم، كيف وماذا؟ وهي توحي بالزمن. والدراسات الحديثة أظهرت نتائج مذهلة في ضبط “السيروتونين” أو هرمون السعادة عندما نأخذ خمس وجبات تزامنا مع أوقات الصلاة أين؟ يعني المكان وإذا عرفنا الإجابة الصحيحة نكون قد ابتعدنا عن الوجبات السريعة ورفعنا من القيمة الغذائية والاجتماعية، فالوجبة ليست فقط غذاء للمعدة، بل هي رموز وثقافة وقد تحدث عنها الإسلام من خلال آداب الأكل وهي فرصة للتجمع العائلي. كيف؟ من آداب الكل التأني فكلما أخذنا وقتا في الأكل كلما كانت عملية الهضم جيدة، ولا تنسوا أن الصحة الجيدة في الهضم الجيد. فالله سبحانه وتعالى أعطانا أداة اسمها اليد وليس أدوات أخرى. لماذا؟ فالمغاربة كانوا يأكلون الكسكس باليد اليمنى ودون ملاعق وهناك دراسات أكدت وجود أنزيمات على مستوى اليد اليمنى تساعد على الهضم. كم؟ من آداب الأكل لا يجب الأكل حتى درجة الشبع المبالغ فيه، بحيث أمرنا الرسول (ص) بألا نأكل حتى نشبع، لأن هناك ما يسمى بحديث الثلث أي ثلث للماء، ثلث للطعام وثلث للهواء. ماذا؟ للغذاء لون، طعم، رائحة، شكل، مكونات وموسم للاستهلاك. إذا تدخلنا في المنتوج وغيرنا لونه أو شكله أو حجمه أو موسم زرعه، نكون أمام منتوج ليس من الصنع الإلهي.
هل كل جسم نحيف دليل على عدم تناول صاحبه لوجباته الأساسية؟
إن الجمال والرشاقة مطلبان أساسيان للفتيات خصوصا مع انتشار الفضائيات والتركيز على الوجوه الجميلة والأجسام المتناسقة للمرأة في الإعلام، وإلى تحقيق ولو جزء من هذا الجمال، تسعى الكثير من الفتيات وراء نظام “الرجيم” واتباع الحميات المختلفة من دون وعي أو إدراك لتأثيراتها المتفاوتة على الصحة، وخاصة في الفترة القليلة التي تسبق الزفاف ظنا منهن أنها الوسيلة الأسرع متجاهلات عواقب ذلك، إذ يصل الأمر ببعضهن إلى استعمال الأدوية التي تروج لإنقاص الوزن، وأساليب أخرى متنوعة، وتحول الأمر إلى هاجس وهوس يؤرق الراغبات في إنقاص أوزانهن، والحقيقة هي أنه ما لم يغير الإنسان من نمط حياته اليومية وغذائه، فمعظم هذه الأساليب لن تحقق المرجو منها، وإن تحقق فالثمن غالبا يكون باهظا.
ماهي الانعكاسات الصحية من اتباع حمية عشوائية؟
الانعكاسات تكون ليست فقط صحية بل مادية أيضا. وقد سمعنا ونسمع عن وفاة عارضات أزياء، لأنهن اتبعن نظاما غدائيا، لا يوفر أبسط حاجيات الجسم.