دشنت شركة “أورنج المغرب”، يوم أمس الأربعاء 19 نونبر ، مركزها الجديد للبيانات “Orange Tech” بإقليم النواصر في خطوة تعكس تسارع وتيرة الاستثمار في البنية التحتية الرقمية بالمملكة . يأتي هذا الافتتاح تزامناً مع مرور 25 سنة على تواجد الفاعل الاتصالاتي في السوق المغربية، وفي سياق وطني يتسم بتنزيل استراتيجية “المغرب الرقمي 2030” التي تضع السيادة الرقمية والحوسبة السحابية في صلب أولوياتها.
بنية تحتية بمعايير دولية
المنشأة الجديدة، التي شيدت على مساحة 15 ألف متر مربع، توفر سعة أولية تبلغ 1.5 ميغاواط. وحسب المعطيات التقنية المتوفرة، فقد صُمم المركز ليستجيب للطلب المتزايد للمقاولات والإدارات العمومية على خدمات استضافة البيانات والحوسبة السحابية (Cloud).
وقد حصل المركز على شهادة من معهد “Uptime Institute” العالمي، مما يعزز موثوقيته التقنية. اللافت في هذا المشروع هو التوجه نحو الطاقية النظيفة، حيث تم تزويد المركز بأكثر من 1000 لوحة شمسية، في محاولة لتقليص البصمة الكربونية، وهو تحدٍ بات يواجه مراكز البيانات عالمياً نظراً لاستهلاكها العالي للطاقة.
التحول من “مشغل اتصالات” إلى “شريك تكنولوجي”
ويشير مسار “أورنج المغرب” في السنوات الأخيرة إلى تحول في استراتيجيتها من مجرد مشغل لخدمات الهاتف والإنترنت إلى فاعل في قطاع التكنولوجيا المتقدمة. ويتجلى هذا التوجه من خلال الدخول في شراكات استراتيجية مع عمالقة التكنولوجيا العالميين مثل “أمازون ويب سيرفيسز” (AWS) و”مايكروسوفت” لتقديم حلول سحابية متعددة (Multi-Cloud).
وفي تعليقه على هذا التوجه، صرح هندريك كاستيل، المدير العام لأورنج المغرب، بأن تدشين المركز الجديد “يؤشر لمرحلة مفصلية” تهدف إلى تزويد المغرب بالبنيات التحتية الضرورية لمواكبة الطموحات الوطنية. وأكد كاستيل أن الرهان الحالي يتجاوز الربط الشبكي ليشمل توفير “حلول سيادية وآمنة” تواكب التحول الرقمي للمؤسسات.

5 G والذكاء الاصطناعي.. محركات جديدة للنمو
بالموازاة مع البنية التحتية المادية، تواصل الشركة نشر شبكة الجيل الخامس (5G) التي تغطي حالياً، وفقاً لبيانات الشركة، أكثر من مائة مدينة. هذا الانتشار لا يهدف فقط إلى تحسين سرعة الإنترنت للأفراد، بل يستهدف بشكل أساسي القطاع الصناعي والمقاولاتي عبر تقنيات إنترنت الأشياء (IoT) والأتمتة الصناعية.
وفي سياق الطفرة العالمية للذكاء الاصطناعي، أطلقت الشركة منصة “Live Intelligence”، الموجهة للمقاولات، والتي تعتمد على نماذج لغوية متعددة، مدعومة بمركز كفاءات في الرباط يضم 120 خبيراً، في خطوة تهدف إلى دمقرطة الولوج إلى الذكاء الاصطناعي التوليدي بشكل آمن للشركات المغربية.
ربط قاري واستثمارات مهيكلة
على الصعيد الاستراتيجي، عززت الشركة موقع المغرب كجسر رقمي نحو إفريقيا من خلال انخراطها في مشروع الكابل البحري “Medusa”. هذا الكابل، الذي يمتد لـ 8700 كيلومتر ويربط 16 نقطة في البحر المتوسط، سيوفر نقطة إنزال في مدينة الناظور، مما يرفع من قدرات الربط الدولي للمملكة ويقلل من زمن الوصول (Latency).
وتؤكد الأرقام المالية للشركة استمرارها في سياسة الاستثمار المكثف، حيث تخصص حوالي 25% من رقم معاملاتها سنوياً لتطوير الشبكات والبنيات التحتية، باستثمارات تراكمية تجاوزت 100 مليار درهم منذ دخولها السوق.
المسؤولية المجتمعية وسد الفجوة الرقمية
وبعيداً عن الجانب التقني، يظل العنصر البشري هو التحدي الأكبر أمام التحول الرقمي. وفي هذا الإطار، تواصل “مؤسسة أورنج” برامجها عبر “مراكز أورنج الرقمية” (ODC)، التي نجحت في تكوين آلاف الشباب ومواكبة مئات الشركات الناشئة، في مسعى لردم الفجوة الرقمية والمواءمة بين البنية التحتية المتطورة والكفاءات البشرية القادرة على تشغيلها.
يبدو أن المشهد التكنولوجي في المغرب يتجه نحو مزيد من النضج، حيث لم تعد المنافسة تقتصر على أسعار المكالمات والبيانات، بل انتقلت إلى ميدان السيادة الرقمية، ومراكز البيانات، والقدرة على توفير حلول تكنولوجية متكاملة للقطاع الاقتصادي.
