يمرّ معظمنا بلحظات نسيان عابرة، فنفقد مفاتيحنا أو ننسى اسم شخص التقيناه مؤخرًا. وغالبًا ما يكون هذا النوع من النسيان طبيعيًّا، لا سيما مع التقدّم في السن. لكن في بعض الحالات، قد يُخفي وراءه اضطرابات عصبية تحتاج إلى تشخيص مبكر وتدخّل طبي.
النسيان الطبيعي: متى لا يُقلق؟
النسيان المرتبط بالعمر أو النمط الحياتي غالبًا ما يكون مؤقتًا ولا يؤثر بشكل ملحوظ على أداء المهام اليومية. ومن أبرز أسبابه:
• تباطؤ معرفي طبيعي: مثل نسيان الأسماء أو الأماكن أو وضع الأشياء في غير مكانها بشكل عارض.
• الضغط النفسي وتعدد المهام: القلق أو التوتر أو الانشغال الذهني المفرط قد يضعف التركيز ويؤثر على التذكّر.
• قلة النوم: النوم غير الكافي يؤثر على الانتباه والذاكرة القصيرة الأمد.
• اختلالات غذائية أو هرمونية: مثل نقص فيتامين B12 أو مشاكل الغدة الدرقية أو الجفاف، وهي حالات قابلة للعلاج.
• تأثير الأدوية: بعض العقاقير، مثل المهدئات أو مضادات الهيستامين أو بعض الأدوية النفسية، قد تؤثر على الذاكرة.
• التعرض المستمر للشاشات: الإرهاق الرقمي وضعف التركيز الناتج عنه قد يؤثر على تكوين الذكريات.
علامات تستدعي استشارة طبيب مختص
حين يبدأ النسيان بالتأثير على جودة الحياة اليومية، قد يكون مؤشرًا على خلل عصبي أعمق. ومن أبرز العلامات:
• تدهور تدريجي في الذاكرة: ملاحظة نسيان متزايد يعوق أداء المهام اليومية أو التواصل مع الآخرين.
• صعوبة في الكلام أو الفهم: مثل تكرار نفس الجُمل أو التلعثم أو صعوبة متابعة المحادثات.
• تغيّرات في السلوك أو المزاج: الارتباك، التردد، ضعف الحكم على الأمور أو العزلة المفاجئة.
• تصرفات غير منطقية: كأن يضع الشخص أشياء في أماكن غير مألوفة، مثل المفاتيح في الثلاجة.
• وجود تاريخ عائلي لأمراض عصبية: مثل الزهايمر أو غيره من الاضطرابات التنكسية، مما يستوجب فحصًا وقائيًا.
كيف نقي أنفسنا من النسيان وندعّم الذاكرة؟
العقل السليم يتطلب أسلوب حياة متوازن يحفّز وظائف الدماغ ويحافظ عليها. وللوقاية من تدهور الذاكرة، ينصح باتباع ما يلي:
• النوم الجيد: الحرص على 7 إلى 9 ساعات من النوم العميق والمنتظم يوميًّا يساعد على تثبيت الذكريات.
• ممارسة الرياضة: النشاط البدني المنتظم يعزز تدفق الدم إلى الدماغ، ويحسّن التركيز والانتباه.
• اتباع نظام غذائي غني بالمواد الداعمة للدماغ: مثل الأطعمة الغنية بأوميغا 3 (كالسلمون والجوز)، مضادات الأكسدة (التوت، الشوكولاتة الداكنة)، وفيتامين B12.
• تدريب الذاكرة: مثل حلّ الكلمات المتقاطعة، تعلم لغات جديدة، أو العزف على آلة موسيقية، فذلك يخلق مسارات عصبية جديدة.
• تنظيم الوقت والمهام: استخدام القوائم، التذكيرات، والملاحظات اليومية لتقليل العبء الذهني.
• الابتعاد عن العادات الضارة: كالإفراط في تناول الكحول، التدخين، أو قلة الحركة.
• التقليل من التوتر: التأمل، تمارين التنفس، وقضاء وقت نوعي مع العائلة أو في الطبيعة يساعد في استقرار الحالة المزاجية.
• المحافظة على العلاقات الاجتماعية: التفاعل المنتظم مع الآخرين يحفّز التفكير ويقلل من الشعور بالوحدة، وهو أمر مفيد لصحة الدماغ.
ختاما النسيان في حد ذاته لا يُعدّ مرضًا، لكنه قد يكون علامة مبكرة على حالة صحية تتطلب العناية. الفارق يكمن في درجة النسيان وتكراره وتأثيره على الحياة اليومية. لذا، إذا لاحظتم تغيرات غير معتادة، فلا تترددوا في طلب استشارة طبية.
العقل مثل الجسد، يحتاج إلى تمرين وتغذية وراحة. والاهتمام بصحتنا الذهنية ليس رفاهية، بل ضرورة للعيش بجودة عالية، مهما تقدّم بنا العمر.