يقال إن “الحق مثل النهر، قد يتعرج مساره لكنه دائمًا يعود ليجري في مجراه الصحيح.” من كان ليظن أن إعادة فتح إحدى القضايا الباردة ستكشف النقاب عن واحدة من أكثر الجرائم صدمة في تاريخ بريطانيا؟
في عام 1987، عثر على جثتي ويندي نيل وكارولين بيرس، البالغتين من العمر 25 و20 عامًا على التوالي، وقد قُتلت كل منهما بطريقة وحشية تمثلت في الخنق والاعتداء الجنسي. آنذاك، لم يكن لدى الشرطة أي دليل واضح أو شهود تشير إلى المجرم، مما أدى إلى برود القضية.
بعد مرور سنوات، أُعيد فتح هذه القضية، وسمحت تطورات الطب الشرعي للمحققين بربط الحمض النووي بديفيد فولر. كان فولر كهربائيًا يعمل في مستشفى تونبريدج ويلز، حيث اختبأ لمدة ثلاثين عامًا تحت قناع شخص عادي يعيش حياة طبيعية، لكن خلف ذلك القناع يكمن وحش خبير في التسلل والإفلات من العدالة.
في ديسمبر 2020، ألقي القبض عليه بتهمتي القتل، لكن ما إن اقتحمت الشرطة منزله، حتى تفاجأت بعدد كبير من الصور والفيديوهات التي توثق اعتداءات جنسية لم يكن يعرف بها أحد.
بفضل منصبه في المستشفى، استغل فولر بطاقته للدخول إلى المشرحة، حيث انتهك كرامة الجثث بأقذر ما يمكن تصوره. نعم، كما توقعتم، اعتدى هذا الوحش جنسيًا على أكثر من مائة جثة، كانت أعمار بعض الضحايا لا تتجاوز التاسعة.
عُقدت محاكمة فولر في عام 2022، ومرت خلالها عائلات الضحايا بكابوس لم يكن ليخطر على بالهم، كابوس ترك ألمًا عميقًا في نفوسهم. وفي وصف لمشاعرهم، قالت عائلة إحدى ضحاياه، ( كانت تبلغ من العمر 100 عام عند وفاتها)، لهيئة الإذاعة البريطانية: “سيتعين علينا التعايش مع هذا لبقية حياتنا.” وأكد شقيق ضحية أخرى: “لقد شوه ديفيد فولر كل ذكرى لدي عن أختي… كل ما يمكنني التفكير به الآن هو ما فعله لها.”
تعاطف العالم مع هذه القضية التي اعتبرها الكثيرون تذكيرًا بفشل النظام في حماية الموتى. وطرحت بعد هذه الجرائم أسئلة لم تعرف لها إجابات حتى الآن: كيف يمكن لشخص أن يرتكب مثل هذه الجرائم البشعة طوال هذه السنوات دون أن يلاحظه أحد؟ كيف استطاع القيام بهذا الفعل الشنيع دون أن يتكلم ضميره ؟ كيف مرت أزيد من ثلاثين سنة دون أن ينكشف هذا القاتل المريض؟