يخلد المغرب اليوم الجمعة العاشر من أكتوبر، -اليوم – الوطني للمرأة، وهي محطة رمزية هامة للاحتفاء بما حققته النساء المغربيات من مكتسبات، واستحضار ما ينتظر تحقيقه على درب المساواة والعدالة الاجتماعية.
ذكرى إعلان مدونة الأسرة
يعود اختيار هذا التاريخ إلى 10 أكتوبر 2003، يوم أعلن جلالة الملك محمد السادس عن مدونة الأسرة الجديدة، التي شكّلت حينها منعطفاً تاريخياً في مسار النهوض بحقوق المرأة المغربية وإعادة بناء العلاقات الأسرية على أسس من المودة والمسؤولية المشتركة.
ومنذ ذلك الحين، أصبح هذا اليوم فرصة سنوية للتقييم والاحتفاء بمسار المرأة في مختلف المجالات.
مكاسب تحققت
خلال العقدين الأخيرين، راكمت المرأة المغربية مكتسبات مهمة على المستويات القانونية والسياسية والاجتماعية، أبرزها
إصلاح مدونة الأسرة (2004) التي كرست مبدأ المساواة ومنحت المرأة حقوقاً أوسع في الزواج والطلاق والحضانة
تعديل قانون الجنسية الذي أتاح للأم المغربية نقل جنسيتها لأبنائها
قانون محاربة العنف ضد النساء (2018) الذي وفر إطاراً قانونياً لحماية الضحايا.
توسيع تمثيلية النساء في البرلمان والمجالس المنتخبة بفضل نظام الكوطا.
دعم المقاولات النسائية ومشاريع التمكين الاقتصادي في مختلف الجهات.
هذه الخطوات جعلت المرأة المغربية فاعلاً أساسياً في التنمية الوطنية، تتبوأ مواقع ريادية في السياسة والإدارة والثقافة والإعلام
انتظارات وتحديات
ورغم هذه الإنجازات، ما تزال الانتظارات كثيرة:
الحاجة إلى مراجعة جديدة لمدونة الأسرة لتواكب التحولات وتزيل بعض الثغرات القانونية.
تفعيل القوانين وضمان وصول النساء إلى العدالة بسهولة.
محاربة العنف بكل أشكاله عبر آليات حماية فعّالة ومراكز دعم كافية.
تمكين المرأة القروية من التعليم والعمل والموارد الاقتصادية.
تحقيق المساواة الفعلية في سوق الشغل وتقليص الفوارق في الأجور والمناصب
المساواة بين الجنسين.. مسار مستمر وتحديات قائمة
فرغم الخطوات المهمة التي قطعها المغرب منذ إقرار مدونة الأسرة سنة 2004 وسنّ قوانين منصفة، إلا أن الطريق نحو المساواة الفعلية ما يزال طويلاً ويتطلب إرادة جماعية متجددة.
عوائق قانونية وتشريعية
رغم الإصلاحات التي شملت مدونة الأسرة، فإن بعض النصوص القانونية ما تزال تحمل تمييزاً ضمنياً ضد النساء، كما أن تطبيق القوانين على أرض الواقع يواجه صعوبات بسبب تعقيد المساطر وضعف الوعي الحقوقي، ما يجعل العديد من النساء عاجزات عن الوصول إلى العدالة بإنصاف وسرعة.
إلى جانب ذلك، يُسجَّل غياب آليات لتتبع وتقييم مدى تفعيل القوانين الخاصة بالمساواة وتمكين المرأة.
عوائق اقتصادية
لا تزال الفوارق الاقتصادية بين الجنسين قائمة، إذ تُظهر الإحصاءات أن نسبة مشاركة النساء في سوق الشغل أقل بكثير من الرجال، مع تفاوت ملحوظ في الأجور والفرص المهنية.
تواجه النساء أيضاً صعوبات في الولوج إلى التمويل والمشاريع الإنتاجية، خصوصاً في المناطق القروية، إضافة إلى ضعف حضورهن في المناصب العليا ومراكز القرار الاقتصادي.
عوائق تعليمية وثقافية
يشكل التعليم أحد المفاتيح الأساسية للتمكين، غير أن الفجوة التعليمية ما تزال حاضرة، خاصة في العالم القروي حيث تتعرض الفتيات للانقطاع المبكر عن الدراسة.
وتظل الصورة النمطية للمرأة في المجتمع، التي تختزل أدوارها في المجال المنزلي، من أكبر التحديات الثقافية التي تحد من مشاركتها الكاملة في الحياة العامة.
إلى جانب ذلك، ضعف الوعي الحقوقي يجعل كثيراً من النساء غير مدركات لحقوقهن القانونية أو الدستورية.
عوائق اجتماعية وسوسيولوجية
تستمر ظاهرة العنف ضد النساء، بمختلف أشكاله، كواحد من أبرز العوائق أمام تحقيق كرامة المرأة وأمنها النفسي والاجتماعي.
ورغم صدور قانون محاربة العنف ضد النساء سنة 2018، فإن آليات الحماية والتكفل ما زالت محدودة.
كما تواجه النساء تحديات يومية مرتبطة بضعف البنى الاجتماعية مثل دور الحضانة ومراكز الإيواء والدعم، ما يعمّق هشاشتهن الاقتصادية والاجتماعية.
عوائق في التمثيلية وصنع القرار
ورغم التقدم الذي أحرزته النساء في الحياة السياسية بفضل نظام الكوطا، إلا أن المشاركة الفعلية في صناعة القرار ما تزال دون الطموح.
غياب المناصفة في المناصب العليا وضعف حضور النساء في مواقع المسؤولية التنفيذية يحدّ من تأثيرهن المباشر في السياسات العمومية.
نحو مقاربة شمولية للمساواة
إن تحقيق المساواة وتمكين المرأة لا يقتصر على سن القوانين، بل يتطلب تحولاً ثقافياً ومجتمعياً يرسخ قيم العدالة والإنصاف.
فالمجتمع المتوازن هو ذاك الذي يمنح نساءه ورجاله الفرص نفسها في التعليم والعمل والمشاركة في القرار.
وفي هذا السياق، يؤكد جلالة الملك محمد السادس في أحد خطاباته السامية:
«لا يمكن لأي مجتمع أن يحقق التقدم المنشود، ونصفه مقيّد، بل إن مكانة المرأة هي مقياس مدى تقدم الأمم ورقيها».
يبقى اليوم الوطني للمرأة المغربية لحظة تأمل وتقييم، وفرصة لتجديد العهد على المضي في درب الإصلاح، حتى تصبح المساواة بين الجنسين واقعاً معيشاً لا مجرد نصوص قانونية.
إن تمكين المرأة المغربية هو تمكين للوطن كله، وخطوة نحو مستقبل أكثر عدلاً وإنصافاً للأجيال القادمة..