في فيلم “ويكد “، المستوحى من المسرحية الموسيقية الشهيرة، تظهر شخصية إلفابا، ببشرة خضراء مميزة و مختلفة . حسب الأحداث فقد نتج هذا اللون عن شرب والدتها لإكسير غامض أثناء الحمل. الان ماذا لو أخبرناكم أن بشرة باللون الأخضر ليست من وحي الخيال ؟بل كانت مرضا حير الأطباء لعقود .
“المرض الأخضر”: من الخيال إلى الواقع
في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، شهد العالم مرضًا حقيقيًا عُرف باسم الكلوروسيس، أو “المرض الأخضر”، حيث اكتسبت بشرة الفتيات لونًا أخضر شاحبًا . شاع هذا المرض بين الفتيات المراهقات. و كانت تصاحبه أعراضا غريبة منها : الجلد الباهت المخضر، التعب الدائم، انقطاع الدورة الشهرية، ضعف الشهية، ضيق التنفس ، والشغف الغريب لتناول الأطعمة الحامضة مثل المخللات.
بين الطب والخرافة
أطلق الأطباء على الكلوروسيس في العصور الوسطى اسم morbus virgineus أو “مرض العذراوات”، معتقدين أن العذرية كانت أحد أسبابه. بل إن بعضهم اعتقد أن الزواج كان “العلاج” الأكثر فعالية لهذه الحالة.
لكن في الواقع لم يكن الكلوروسيس مجرد لون غريب يكتسي الجلد ؛ بل هو علامة على نقص حاد في الحديد وفقر الدم، حيث تصبح خلايا الدم الحمراء أضعف وتقل قدرتها على حمل الأكسجين.
اختفاء المرض
مع بداية القرن العشرين، و تحديدا مع انتهاء الحرب العالمية الأولى. أدى تحسن الأنظمة الغذائية، وزيادة الوعي بأهمية الحديد، وانتشار مكملاته، إلى اختفاء الكلوروسيس تدريجيا . و في عام 1936، كتب طبيب يدعى ويليس ماريون فاولر مقالًا أطلق عليه “نعي الكلوروسيس”. تحدث فيه عن اختفاء المرض الذي في نظره أنذاك جاء دون تفسير واضح .
تم استغلال فكرة هذا المرض في الأدب و الفن ؛ ففي مسرحية روميو وجولييت، وصف شكسبير جولييت بـ”المريضة باللون الأخضر”، كرمز لعذريتها و صغر سنها . أما الفن التشكيلي فلونت عدة شخصيات باللون الأخضر معتبرينه رمزًا للطبيعة، والشباب، وأحيانًا الغيرة .
الكلوروسيس اليوم:
على الرغم من أن “المرض الأخضر” أصبح من الماضي، إلا أن جذوره لا تزال معنا في الحاضر . فنقص الحديد، (السبب الرئيسي وراء هذه الحالة) ، لا يزال يؤثر على حياة الملايين. إذ كشفت دراسة أجرتها المجلة الطبية JAMA عام 2023 أن حوالي 40% من الفتيات المراهقات في الولايات المتحدة يعانين من نقص الحديد. هذا الأخير لم يعد يغير لون البشرة لكنه يؤدي إلى التعب، والضبابية الذهنية، وتراجع الأداء اليومي.
في النهاية، كان الكلوروسيس مرآة لعصره، حيث التقت الخرافات بالطب، والجهل بالثقافة، ليترك وراءه حكاية تستحق أن تروى.
الآن، كلما شاهدتم إلفابا أو أي ساحرة ببشرتها الخضراء، تذكّروا أن بعض الخيال قد يحمل في طياته حقائق أغرب مما نتصور .