كشفت دراسة علمية حديثة أن بعض أعراض الاكتئاب في منتصف العمر قد ترتبط بارتفاع خطر الإصابة بالخرف في مراحل متقدمة من الحياة. في وقت لا يظهر فيه هذا الارتباط مع أعراض أخرى شائعة ينظر إليها عادة على أنها الأكثر خطورة.
الدراسة، التي نشرت في مجلة ذا لانسيت للطب النفسي، اعتمدت على متابعة صحية طويلة الأمد. وطرحت مقاربة مختلفة في فهم العلاقة بين الاكتئاب وصحة الدماغ. بعيدًا عن التعميم أو الربط المباشر بين الاكتئاب كتشخيص واحد والخرف كنتيجة محتومة.
عيّنة واسعة ومتابعة امتدت 25 عامًا
حلّل فريق بحثي بيانات 5 آلاف و811 شخصًا بالغًا، تراوحت أعمارهم بين 45 و69 عامًا عند انطلاق الدراسة. وجميعهم لم يكونوا مصابين بالخرف في البداية. خضع المشاركون لتقييم نفسي شمل 30 عرضًا من الأعراض الشائعة للاكتئاب، باستخدام استبيانات معتمدة. ثم تمت متابعتهم صحيًا على مدى 25 عامًا عبر السجلات الطبية.
خلال فترة المتابعة، أصيب نحو 10 في المائة من المشاركين بالخرف. ما أتاح للباحثين مقارنة الأعراض النفسية المبكرة مع النتائج الصحية اللاحقة بدقة زمنية نادرة.
ستة أعراض فقط ترتبط بالخطر
اللافت في نتائج الدراسة أن ستة أعراض فقط من أصل 30 أظهرت ارتباطًا واضحًا بارتفاع خطر الإصابة بالخرف، وهي:
- فقدان الثقة بالنفس
- صعوبة مواجهة المشكلات
- انعدام المودة أو الدفء تجاه الآخرين
- التوتر والقلق المستمران
- عدم الرضا عن أداء المهام اليومية
- صعوبة التركيز
في المقابل، لم تُسجَّل علاقة طويلة الأمد بين الخرف وأعراض أخرى شائعة، مثل اضطرابات النوم، أو تدني المزاج العام، أو حتى الأفكار الانتحارية، وهو ما يخالف التصورات السائدة حول مؤشرات الخطر النفسية.
ما الذي يفسّر هذا الارتباط؟
يرجّح الباحثون أن هذه الأعراض الستة تمسّ بشكل مباشر الوظائف المعرفية والسلوكية، مثل التفاعل الاجتماعي، وحل المشكلات، والقدرة على التركيز، وهي عناصر تلعب دورًا أساسيًا في ما يُعرف بـ“الاحتياطي المعرفي” للدماغ. هذا الاحتياطي يساعد على مقاومة التدهور الإدراكي مع التقدم في العمر، وأي ضعف مبكر فيه قد ينعكس لاحقًا على صحة الذاكرة والتفكير.
دلالات صحية تتجاوز الاكتئاب
لا تقول الدراسة إن الاكتئاب يؤدي بالضرورة إلى الخرف، لكنها تؤكد أن نوعية الأعراض وتوقيتها في منتصف العمر قد تكون أكثر أهمية من التشخيص العام. وهو ما يفتح الباب أمام مقاربة وقائية أدق، تركز على رصد علامات نفسية محددة بدل الاكتفاء بتوصيفات واسعة.
تسلّط هذه النتائج الضوء على أهمية التعامل الجدي مع بعض التغيرات النفسية في منتصف العمر، ليس فقط من زاوية الصحة النفسية الآنية، بل أيضًا في إطار الحفاظ على صحة الدماغ على المدى الطويل. فالملاحظة المبكرة، والمتابعة النفسية المنتظمة، قد تشكل عنصرًا حاسمًا في تقليل مخاطر التدهور الإدراكي مستقبلاً.
في زمن يرتفع فيه متوسط العمر، تصبح الوقاية المعرفية جزءًا لا يتجزأ من الصحة العامة، وتؤكد هذه الدراسة أن الطريق إليها قد يبدأ من تفاصيل نفسية تبدو، للوهلة الأولى، عابرة.