عندما تتراجع الرغبة الحميمية لدى الزوج، ويجف نهر متعة كان يروي الزوجين ويفيض على فراشهما حبا ونشوة وينثر الورود على جنباته، كيف تتصرف الزوجة مع حالة كهذه؟ وكيف تتعامل وحيدة مع رغباتها وأنوثتها التي تشعل قلبها وجسدها بينما فراش الزوجية بات باردا موحشا؟ كيف تسيطر على معاناتها مع الكبت والوحدة، حيث الوحدة تكون مؤلمة أكثر في حضور الشريك؟ هنا بعض حكايا تدور في صمت تحت أغطية فراش لم يعد دافئا.
“سميرة” شابة جميلة في الثلاثين من عمرها، متزوجة منذ أربع سنوات، تختصر مشكلتها في جملة واحدة “زوجي لم تعد لديه رغبة حميمية تجاهي”، تقولها بحسم وبثقة لا تخلو من غضب مكبوت، ثم تحكي بالكلام وبالدموع: كانت علاقتي بزوجي طيبة “بزاف”، كان هناك ود وتفاهم ممتد إلى الفراش، تزوجنا بعد علاقة حب دامت سنة واحدة، سارت الأمور بيننا كما كنت أحلم وأتمنى، ثم فجأة وبعد سنتين من الزواج تغير كل شيء، وبصورة شكلت لي مفاجأة صادمة، تغير زوجي لم يعد راغبا فى أنوثتي، تراجعت رغبته الحميمية أو غابت، فراح يتجنبني في الفراش، ويتعمد أن يتأخر في العودة للبيت، وفور عودته يخلد للنوم بسرعة هاربا مني أو نافرا من فراشي لا أعلم، رغم أني لم أقصر في أي شيء يضمن استمرار رغبة زوجي الذي أصبح كأنه لا يراني كأنثى، وإذا جلسنا معا أراه مشغولا بالتلفزيون أو بكتاب، ورغم جمالي وشبابي. أحيانا أشك في نفسي وأقف أمام مرآتي، وأنظر إلى وجنتي الورديتين وشعري المنساب كالسنابل، أتابع قوامي المتناسق، أستعرض ملابس النوم الفاتنة والصارخة، أبحث عن سبب قتل رغبة زوجي، ونثر الجليد على فراشي فلا أجد، أشعر كل يوم بأن زوجي يظلمني ويهدر حق وكبرياء أنوثتي، وأي قيمة تبقى لأنوثتي وجمالي إن لم توقظ الرغبة في قلب وجسد زوجي؟ يستبد الشك بي تارة في نفسي، وتارة في زوجي نفسه، لماذا غابت رغبته الحميمية، تأخذني الظنون إلى الشك في أن هناك أنثى أخرى استطاعت أن تأسره في مجال جاذبيتها، أو أنه يتصرف كما يقولون عن الرجل أنه صياد بطبعه، لا تجذبه فريسة وقعت في شباكه حتى لو كانت أجمل الغزلان، بينما تشغله تماما غزالة أخرى مازالت حرة طليقة لم تسقط بعد في مصيدته ولم تصيبها سهامه. وبين الشك في نفسها والشك في سلوك زوجها، أصيبت “سميرة” بإكتئاب أبعدها عن صديقاتها وأهلها، وأبعدها حتى عن نفسها بعدما فقدت ثقتها في زوجها وفي ذاتها وقدراتها الأنثوية.
معاناة صامتة
لكن” حنان” وهي زوجة في الثانية والثلاثين من عمرها وأم لطفلتين، ومضى على زواجها إثنا عشر عاما وزوجها يكبرها بخمس سنوات، معاناتها مع فقدان زوجها لرغبته الحميمية أخذتها إلى شفا حفرة تكاد تنزلق إليها، وتصف تجربتها قائلة: رحلة زواجي نصفها حلو ونصفها مر، أعاني منذ ست سنوات فقدان زوجي لرغبته الحميمية، التي أصبحت لا تراوده إلا مرات قليلة وعلى فترات متباعدة قد تصل لعدة أشهر، لم أعد أعرف كيف أتصرف في المشكلة التي تواجهه وتؤثر في حياتي تأثيرا سلبيا، زوجي لا يبدو أنه حزين من غياب رغبته وغير قلق، ولا يشعر إطلاقا بتأثير ذلك على نفسيتي، بأمانة أشعر بالرغبة تتملكني في أوقات كثيرة وزوجي لا يبالي ولا يعاني ولا رغبة لديه، حاولت إيقاظ الرغبة في نفسه، وتخليت عن خجلي كثيرا وبادرت بما يمكن أن يثيره لكن إستجابته ضعيفة وغالبا لا يتأثر، ولكن مايغضبني فعلا أنه لايبالي بذلك
لايهمه، ولا يفكر في إمرأته وما تحس به وما تحتاجه، بأمانه أعترف أن أفكارا سوداء راودتني تدفعني للخيانة، وتلاحقني كلمات الغزل هنا وهناك، لكني أخاف من الوصول إلى عتبة منزلق خطير قد تكون العودة منه مستحيلة، أخشى على طفلتَيْ، وأخشى أن ينهار إحترامي لذاتي، هذا الصراع المستمر يؤلمني، صراع بين القيم والمثل وغرائز الجسد، لكني حتى الآن صابرة، وأحاول أن أبعد نفسي عن كل مغريات قد تثير الرغبة في نفسي وابتعدت عن الإنترنت ومافيها من وسائل التواصل مع الآخرين، أنجح مرة وأفشل مرات، وبين النجاح والفشل أتجرع مرارة الصبر في كل ليلة.
يقظة زوجة
ليست كل زوجة تعتبر تراجع الرغبة الحميمية لدى زوجها كارثة، بل هناك من تراها مشكلة قابلة للحل، هذا ماتقوله “نادية” التي تلخص المشكلة قائلة: عندما تتراجع الرغبة الحميمية لدى الزوج، يكون ذلك دليلا على وجود مشكلة ما، لا بد من البحث عن أسبابها ليمكن الوصول إلى حلول، ولكن غضب الزوجة أو إكتئابها والتوقف عند المشكلة ذاتها، أو حتى كتمان الأمر في قلبها واستمرار المعاناة الصامتة، سينعكس بالتأكيد على طبيعة العلاقة والتعامل بين الزوجين. واجهتني ذات الحالة منذ عام، إذ لاحظت أن الرغبة لدى زوجي تتراجع وبدأ لا يبدي أي إهتمام بعلاقتنا بالفراش، وإن حاول فإن محاولته تكون فقط من أجل إرضائي، وغالبا ما كان يفشل في إتمام علاقة حميمية طبيعية، ولأني أحبه وأثق به، ولإدراكي أن القدرة على إتمام العلاقة الحميمية بنجاح تعتمد تماما على الحالة النفسية والصحية للجسم، أنا لست طبيبة، ولكن لدي بعض المعرفة، إعتبرت الأمر قضيتي الأَوْلى بالرعاية، إستخدمت كل تأثيري على زوجي وأقنعته بأن يزور الطبيب، وأكدت له أنه لا يعاني من أي مشكلة دائمة، وأن فقدان الرغبة حالة عارضة تصيب الكثيرين من الأزواج، ثم أظهرت له أنه حتى لو فقد الرغبة الحميمية تماما فلا مشكلة عندي وسأظل دائما بجانبه، والحمد لله إستطعت أن أبعث الراحة في نفسه وأن أخفف من توتره وقلقه، وبدأ في زيارة الطبيب وإجراء ما قرره من تحاليل وعلاج، رافقته في كل زيارة للطبيب وللمختبر، وبعد ستة أشهر من العلاج بدأ زوجي يستعيد رغبته بالتدريج، وبدأ الدفء يغمر فراش نومي مرة أخرى، فعدت عروسا من جديد، ولكن فرحتي الآن أكبر بمتعة لها طعم النجاح، وأنا سعيدة لتمكني من مساعدة زوجي ومساعدة نفسي في ذات الوقت، وأنقذت بيتي من تصدع، فقد كنت أعاني حينما تثور لدي الرغبة ولو لحظيا.
العلاقة الحميمية نوع من المشاركة
يرجع الدكتور محسن بن يشو أسباب فقدان الرغبة الجنسية لدى الزوج، إلى عدة أمور:
الإكتئاب:
الرغبة الحميمية هي جزء من الرغبة العامة في الحياة، وإذا أصيب الإنسان بحالة من الإكتئاب، فسيسيطر عليه الشعور بالحزن والملل وفقدان الرغبة في الحياة بشكل عام، وقد يكره نفسه ويفقد نشاطه، ولا يكون هناك بالتأكيد أي رغبة حميمية.
ضغوط الحياة:
تعد متاعب الحياة اليومية وضغوط العمل المتواصلة ومشاكل الأولاد والمصاريف والخلافات العائلية من أهم أسباب تراجع الرغبة الحميمية أو حتى غيابها كليا، لذلك فالحصول على إجازات وفترات من البعد عن الضغط المتواصل يزيد ويحرك الرغبة الحميمية ويبعثها من جديد.
دور الزوجة:
لأن العلاقة الحميمية نوع من المشاركة، فإن مسؤولية نجاح تلك العلاقة عن طريق تنشيط الرغبة الحميمية لا تقع فقط على الزوج، ولكن الزوجة كذلك لها دورها الهام، وهناك أزواج يرجعون سبب فتور رغباتهم الحميمية إلى إهمال الزوجة لنفسها ولجمالها، وأحيانا تنسى أو تهمل أشياء ربما لا تنتبه إليها مثل العناية بأسنانها وتصفيف شعرها والعناية بنظافته، وربما يعود الزوج للمنزل ليجدها في حالة لا تسر ناظريه، مثل هذه الأمور تؤدي إلى تراجع الرغبة الحميمية لدى الزوج.
الخيانة:
ربما يؤدي إهمال الزوجة لنفسها وواجباتها إلى نتيجة خطيرة فيلجأ الزوج إلى إقامة علاقة أخرى غير شرعية، وتصبح علاقته بزوجته إن حدثت مجرد تأدية للواجب أو للتغطية على علاقته الخفية التي يجد فيها سعادته، وربما يتطور الأمر إلى ماهو أسوأ، وتتغير مشاعره تجاه الزوجة، وتتحول بالتدريج إلى مشاعر كراهية وبغض.
ظروف السكن:
قد تواجه بعض الأسر صعوبة في الحصول على سكن مناسب، فتضطر الأسرة إلى العيش في سكن ضيق ليس فيه غرفة مستقلة للزوج والزوجة، وفي وجود أطفال تكون الفرصة ضئيلة لعلاقة حميمية، لذلك تقل الرغبة كنتيجة لهذه الظروف.
غياب الحوار الجميل:
من المهم أن يعرف الزوجان كيف يتابدلا كلمات جميلة تنشر أجواء من البهجة والحب، فعندما تنادي زوجها “حبيبي” وهو يرد “حبيبتي”، هذه الكلمة البسيطة الجميلة ستغير الجو النفسي والعاطفي للبيت وتنعش القلبين بنوع من النشوة والرضا، وباستمرار حوار مفردات جميلة رقيقة فإن إستمرار الرغبة المتابدلة بين الزوجين هي النتيجة المنتظرة. وعلى النقيض من ذلك فإن خشونة التعامل أو إستخدام كلمات قاسية تسبب إنقباض النفس، وتقلل من تقبل الطرفين لبعضهما وتقيد الرغبة الحميمية أو تقتلها.
المشاكل النفسية والأمراض العضوية:
تعود أسباب فقدان الرغبة الحميمية إلى مشاكل نفسية في ما نسبته 90% من الحالات، لذلك فمن الضروري أن يزور الزوج طبيبا نفسيا ومن الممكن أن يزوره الزوجان معا فذلك ليس عيبا ولاينتقص من قدرهما، ففشل العلاقة الحميمية أحد أهم أسباب الطلاق، واللجوء إلى الطبيب النفسي هو تأكيد للرغبة في الحفاظ على استمرار بيت الزوجية وحمايته من الإنهيار.
وفي بعض الحالات يكون هناك أسباب مرضية مثل مرض السكري وغيره من الأمراض، لذلك فإن إجراء الفحوصات والتحاليل عامل مهم لمعرفة أسباب الحالة، وبالتالي يكون من اليسير علاجها.