انفصام الشخصية من بين الأمراض التي تعرف غموضا ومفاهيم خاطئة في تشخيصها وأسبابها، فهناك من يرى أن هذا المرض هو نتيجة لخلل في تركيبة شخصية المريض، نتيجة لعوامل بيئية وضغوط اجتماعية، والبعض الآخر يعتقد أنه مجرد عمل شيطاني أو سحر، وهناك من يرى أنه حالة نفسية مرضية. فما هو انفصام الشخصية؟ وهل يمكن اعتباره مرضا عقليا؟ ومن هم الأشخاص الأكثر عرضة للإصابة بانفصام الشخصية؟ وما طبيعة المشاكل التي تواجه مرضى الفصام؟ وكيف يجب أن تتعايش عائلتهم مع هذه المعاناة؟ الدكتور محسن بنيشو اختصاصي في الطب النفسي سيجيبنا عن هذه الأسئلة.
ما هو مرض انفصام الشخصية؟
مرض من بين الأمراض الذهنية الأكثر انتشارا على المستوى العالمي، إذ أنه يصيب واحدا في المائة من مجموع السكان، وهو مرض مزمن طويل الأمد، عبارة عن حالة ازدواجية في شخصية الإنسان، يظهر في شكل اضطراب فكري وسلوكي واجتماعي عند المصاب، ما يخلق نوعا من الغربة المزدوجة سواء داخل نفسيته أو مع أقاربه والناس المحيطين به، ويحتاج هذا المرض لإشراف طبي للتخفيف من معاناته.
ما هي أعراض وأسباب الفصام؟
هو مرض يؤثر على طبيعة الشخص، سواء في علاقته مع نفسه أو مع الآخرين داخل مجتمعه، بحيث يفقده الإحساس والإدراك، ويصاب باضطراب وجداني وفكري، من مواصفات مريض الفصام أيضا، أنه يميل إلى الوحدانية والانعزال عن الناس، وعدم الاهتمام بذاته سواء في طعامه أو لباسه، وقيامه ببعض التصرفات الغريبة غير معقولة، وتبني سلوك اندفاعي، إلى جانب ضعف في التواصل الاجتماعي، وأحيانا قد تتطور الحالة إلى وجود تهيجات لأعراض الاكتئاب أو الوسواس القهري أو أمراض الشك، وتبقى من بين أهم أعراض الفصام، فقدان السيطرة على اتزان الشخصية، بحيث يعتقد المريض أنه يسمع أصواتا غريبة تتحكم فيه، وأفكارا مشتتة تدفعه إلى الاعتقاد بأن هناك قوى خارجية تهدده وتريد إلحاق الضرر بحياته، إلى جانب أنه قد يصل إلى الأفكار السوداء مثل الانتحار أو يشكل تهديدا ضد الغير قد يصل إلى ارتكاب جرائم قتل.
أما عن أسباب هذا المرض، فيعتقد أن السبب الرئيسي هو الجانب الوراثي الذي له علاقة بموروثات جينية معينة، أو نتيجة لزواج الأقارب، لذلك غالبا ما نجد عائلة تتكون من خمسة أو أربعة أفراد مصابين جميعهم بالفصام. بالإضافة إلى وجود سبب آخر وهو عامل الإدمان على المخدرات، كما توجد أسباب أخرى غير محددة المعالم قد تكون مرتبطة بالبيئة أو أسس في التربية، وأيضا بعوامل اجتماعية.
هل صحيح أن الانفصام يصيب فئة الشباب أكثر من الكبار والصغار؟
نعم هي حالة تصيب تقريبا فئة الشباب أكثر ما فوق سن السادسة عشر، أي ما بعد سن المراهقة، ويمكن أن تكون في مرحلة الطفولة، لكن بأعراض خفيفة لا تظهر بشكل واضح.
ما هي أشكال الانفصام؟
يتخذ أشكالا متعددة، ووفق حالات تختلف من شخص إلى آخر مع وجود بعض الأعراض المشتركة، وبطبيعة الحال كلما ازدادت هذه الأعراض كلما ظهرت خطورة الفصام، هذا الأخير الذي قد يكون بسيطا، بمعنى أنه لا يتوفر على أعراض ذهنية كثيرة، ثم نجد الفصام البارانوي، حيث تكون أعراضه أقوى حدة، ويصبح المريض أكثر انعزالا وخوفا من الآخر، مع وجود ضلالات الشك أو التأويل أو ضلالات عصبية، بالإضافة إلى أن ملامحه تصبح “متخشبة”، إلى جانب الانفصام الخطير الذي يفقد فيه المريض السيطرة الكاملة، فينتهي إما بالانتحار أو بجرائم قتل. مع ضرورة الإشارة إلى أنه ليس كل مصاب بالفصام قد يشكل خطرا على نفسه وعلى الآخرين.
هل يمكن أن يكون انفصاما مؤقتا؟
نعم، توجد حالات شبه انفصامية، غالبا ما تكون لها علاقة بتناول المخدرات، وفي حالة التوقف عنها يمكن أن يعود المريض إلى طبيعته.
كيف يجب أن تتعايش عائلات مريض الفصام مع هذه المعاناة؟
صراحة وجود مريض في العائلة، هو معاناة كبيرة، لأن مريض الفصام يحتاج إلى الاهتمام والعناية والكثير من الحب والحنان والتفهم، كما يحتاج إلى مصاريف ونفقات مكلفة، على اعتبار أنه مرض مزمن يتطلب شراء عقاقير بصفة دائمة، لذلك فبعض الأسر المغربية تحتاج إلى مساعدات من الدولة، خصوصا بالاستفادة من التغطية الصحية التي للأسف لا تتكلف بهذا النوع من الأمراض. ومن هذا المنبر أوجه رسالة إلى وزير الصحة بضرورة الأخذ بعين الاعتبار هذا النوع من الأمراض الذهنية، بما فيها مرض انفصام الشخصية، لأنهم بدورهم يحتاجون إلى المساعدات المادية، بهدف التخفيف من نفقات العلاج على المرضى، والتي تثقل كاهل عائلتهم.
كيف يتم تشخيص الإصابة بمرض الانفصام؟
يتميز هذا المرض بصعوبة في تشخيصه لعدة اعتبارات، منها أنه غالبا ما تكون أعراضه مشابهة لأمراض ذهنية أخرى، وأن المصاب يعاني من حالة إنكار المرض، ولا ننسى وجود عامل سلبي في الثقافة المغربية وهي وجود اعتقادات خاطئة مرتبطة بالسحر والشعوذة، وبأنه “مسكون أو مجنون” ..لكل هذه الأسباب هناك معايير خاصة ودقيقة يجب على الطبيب النفسي القيام بها، وليس في الجلسة الأولى، بل بعد عدة جلسات للتأكد من الإصابة بالانفصام.
كيف يتم علاج مرض انفصام الشخصية؟
بما أن انفصام الشخصية من الأمراض الذهنية، فإنه لا يعالج فقط بالخضوع إلى حصص نفسية، بل الخطة العلاجية المتبعة هي وصف أدوية وعقاقير تسمى مضادات الذهان، والتي تساعد على السيطرة أو الحد من الهلوسات السماعية والأفكار الغريبة والتشنجات اللاإرادية التي يعاني منها المريض، وهذه العقاقير مختلفة وتتوفر على عدة أنواع، ويبقى للطبيب المختص صلاحية اختيار الدواء المناسب بحسب حالة كل مريض. ولا ننسى أن هذا المريض لا يجب أن يتوقف عن تناول الأدوية إلا بعد استشارة الطبيب المختص، تفاديا للانتكاس. أما في حالة عدم تجاوب المريض مع الأدوية والعلاج النفسي، يجب أن يخضع إلى التنويم، هذا العلاج الذي يعد مشكلا كبيرا، لأنه يحتاج إلى الرعاية الطبية المستمرة، والأهم إلى وجود أسرة كافية في المستشفيات لهؤلاء المرضى، مع أنه للأسف نعاني خصاصا كبيرا في هذا المجال، لذلك نتمنى أن تلقى هذه المشكلة اهتماما من طرف وزارة الصحة في المستقبل القريب.