مغربية الهوية والأصل ولازالت كذلك بالرغم من 23 سنة قضتها في بلد بعيد عن المغرب بأكثر من 10 آلاف كيلومتر. هي سفيرة للثقافة المغربية في اليابان، وواحدة من أقدم أبناء الجالية المقيمة هناك، هي من هاجرت بداية التسعينات بعد زواجها من ياباني مسلم. إنها فاطمة موفيد، قيدومة مغاربة اليابان، ضيفة “لالة فاطمة” لهذا العدد والتي نجول وإياها في العملاق الأسيوي وتقربنا أكثر من بلد يحترم الأجنبي كيفما كانت جنسيته شريطة أن يكون إنسانا جادا، منتجا، متخلقا ويحترم الآخرين.
كيف جاءت فكرة الهجرة خارج البلد وتحديدا إلى اليابان؟
لم تكن فكرة الهجرة تراودني أبدا، وأنا البنت البكر لوالدي، رغم أنها كانت هم عدد من زملائي الطلبة وشغلهم الشاغل.. لكن الأقدار لا يعلمها أحد، فقد حدث أن عاد صديق العائلة الياباني إلى المغرب بعد ما يناهز الست سنوات من زيارتهالأولى، ليجدني طالبة في مقتبل العمر أتابع دراستي بكلية الحقوق بفاس. يقضي شهر رمضان وسط عائلتي، يتشبع بتقاليدنا وعاداتنا التي أحبها منذ مدة. الضيف سيقترح صدفة إن كنت أود الذهاب لليابان، تساءلت كيف لي ذلك؟، فقال إنه يود الزواج من مسلمة ومن عائلتي، مؤكدا لي أن المراة المغربية تشبه اليابانية في العديد من الأمور كالاحترام، الحياء، تحمل المسوولية والذكاء. بعد مدة يعود الصديق الياباني مرة أخرى لبيتنا ليطلب يدي رسميا من والدي ويقوم بكل الواجب وكأنه رجل مغربي. تم الزواج بتوفيق من الله ومباركة من الوالدين.
ماهي الصعوبات التي واجهتك في البداية؟
لم تكن الأيام الأولى باليابان مفروشة بالحرير، فاليابان بلد له ثقافة جد عريقة ومعقدة. تقاليد صعبة لا يقوى عليها حتى المهاجر الأسيوي من كوريين أو صينيين، فما بال إنسانة ثقافتها مغربية وعربية. أول ما اعترض طريقي هو مشكل اللغة، فبداية التسعينيات لم يكن يقوى اليابانيون على التحدث للغريب خجلا من عدم اتقانهم أو معرفتهم للغة أخرى غير لغتهم وهم من يعتبرون الخطأ جريمة. لم تنفع معهم لا لغة عربية ولا فرنسية ولا انجليزية، عشت مرارة لا تصور.كيف يمكن العيش في بلد لا يمكنني أن أفهم لغته أو يفهم لغتي؟، فحتي في وسائل إعلامهم لا وجود للقنوات العربية أو المغربية.لا كتب ولا مجلات، أصبحت وحيدة وأنا وسط شعب يعد بالملايين.. فكرت جليا، فقررت أن التحق بمدرسة لتعلم اللغة، كان قرارا صائبا، حيث ساعدتني اللغة على العمل وكسب أصدقاء، وأساير حياتي الجديدة ببلد الغربة والحمد لله في أحسن الظروف. إلى جانب اللغة يطرح مشكل الأكل، فالأطباق اليابانية مختلفة تماما عن المطبخ المغربي الذي لا يمكن الاستغناء فيه عن التوابل والزيوت، فهي تعتمد على الصلصات. أذكر أن الفترة الأولى بعد قدومي اليابان كنت اعتمد وبشكل يومي على أكل الماكدونالد، وإن حاولت تحضير أكل مغربي فلم أكن أجد توابل بالأسواق أو المحلات التجارية.
هل من السهل التعايش هناك في ظل الثقافات والعادات المختلفة تماما؟
بعد تجربة شخصية والعيش هناك، يمكن الجزم أن الأجنبي يمكنه التأقلم في اليابان، المشكل هو هل بإمكانه التأقلم مع كوارثه الطبيعة!. فاليابان لا تكلف الغريب عناءا، يكفي أن يكون إنسانا جادا، منتجا، متخلقا ويحترم الآخرين. نعمالأخلاق والعمل هما أساس الحياة هنا، لا فرق بين اليابانيين والأجانب، الفرص موجودة ودون تمييز. لكن من يسعي للربح السريع أو طرق أبوابا أخرى فالقانون لا يرحم والمجتمع كذلك. فلم أرى قط أحدا يشحد في شوارع اليابان، لن يلتفتأحدا لمن يتسول، وأحترم ذلك لأنهم يزرعون حب الاعتماد على النفس هنا. شخصيا تعلمت الكثير ومازلت أتعلم. تعلمت شيئا اسمه مصلحة الجميع فوق كل المصالح، تعلمت التطوع والإحسان بدون مقابل، ونحن من كان ديننا أسبق لهذهالخصال. كل يوم أعود بدرس، من عجوز متطوع يساعد أطفال المدرسة على عبور الطريق، من سيدة تنظف حديقة الحي وتغرس زهورا جديدة في الصباح الباكر، من أطفال يقومون بأعمال تطوعية بدور العجزة. من مدير المدرسة يحمل المكنسة وينظف الساحة والمراحيض إلى جانب المدرسين والتلاميذ، من أمهات تقمن بتفقد الأحوال الأمنية للحي والمدرسة.. واللائحة طويلة.
بعد 23 سنة. كيف تصفين وضعك الآن؟
بعد ثلاثة وعشرين سنة، ورغم التغيير الذي حصل مع مر الزمان، والتعايش مع شعب له ثقافة من أصعب الثقافات، مازلت تلك المصارعة لفرض وجود ثقافتي وعادات بلدي على أرض اليابان، فكما أتعلم منهم ما يفيدني، فأنا أجد أناس منفتحون على تعلم أو معرفة ثقافات أخرى ومنها المغربية. كيف لا أفعل والعديد من اليابانيون لا يعرفون أين يوجد المغرب في خريطة العالم، وبعضهم وإن عرفوا وجب توضيح خريطة المغرب وصحرائه كاملة، وهذه والحمد لله من بينالأشياء التي أحرص عليها. تعلمت الطبخ الياباني ورأيت أن الدور علي أن أعلم الطبخ المغربي، فخلقت صفحة لتعليم أصول مطبخنا، ولم يكن الهدف هو الطبخ بعينه ولكن هو التعريف بوطننا وتقاليده عبر حلقات طبخ تلفزية ومجلات.الحرص كذلك على اللباس التقليدي المغربي، فهم شعب يعشقون كل ما له علاقة بالتقاليد ويحترمون من يفتخر بأصله وثقافته. وبعد أيام قليلة سيعرض برنامج وثائقي تلفزي يعرف بالخياطة التقليدية المغربية واللباس خاصة الجلابيببأنواعها من تكشيطة والقفطان، والطربوش والشاش، والحزام والبلغة… وكان لي الشرف في ترجمة العمل من المغربية لليابانية. أسعدني كثيرا محتوى العمل، لأنه يعنى بتقديم جزءا مما تزخر به ثقافة بلدي الغنية.
كيف تتعامل فاطمة عند زيارتها للمغرب. هل تأثرت بالثقافة اليابانية؟
كلما عدت إلى المغرب تجد الجميع يشهد أنني لم أتغير، فأنا مازلت فاطمة. أتكلم لغة بلدي ولا أدخل عليها ولو كلمة أجنبية وأنا بين أهلي وأصحابي. وبكل فخر، أتعامل تعامل كل امرأة محافظة على ثقافة بلدها. ألبس الجلباب، أذهب للسوقوأدخل الحمام العمومي، أعشق كل ماهو تقليدي في بلدي، أتمتع بكأس الشاي وكأن لا مشروب لي في الدنيا غيره. أيام الغربة لم تاخذ مني شياء اللهم العمر. فثقافتنا هي عدتنا وعتادنا نحملها أينما حللنا والحمد لله، لا ننصهر في ثقافاتأخرى. كلما طالت سنين البعد كلما تشبثنا أكثر وأحسسنا بالحنين. لا نسكن الوطن ولكنه يسكننا ويسري في شراييننا.
هل من لقاءات بين أبناء الجالية المغربية هناك؟
الجالية المغربية في اليابان مازالت جد ضئيلة من حيث العدد (ما يناهز 600 فرد). ليس هناك لقاءات منظمة أو مؤطرة بعد، بحكم انشغال الجميع وظروف الحياة هنا. اللهم إذا كان لقاء في مساجد طوكيو، أو صدفة بمقر السفارة المغربية.هذا لا يمنع من القيام ببعض المجهودات الخاصة لجمع شمل إخوتنا في بعض المناسبات كالأعياد، أو فقط تحضير مأدبة مغربية ودعوة من ساعدتهم الظروف للالتحاق لكي نخفف من قسوة الغربة وعبء الحياة بعيدا عن الوطن، نتقاسم الفرحة مرة والهم مرارا.. كما أحاول أن أكون رهن الإشارة في مساعدة من طرق بابي للوقوف بجانبه كلما حدث مشكل خاص من الجانب الاجتماعي أو القانوني. يبقي عملي وتدخلي تطوعيا وشخصيا لا أريد منه جزاءا ولا شكورا.. فمرةأخرى أنا في خدمة إخوتي المغاربة كلما احتاجوني وبيتي مفتوح لهم، فما يجمعنا أعظم “الوطن”.