أكد مصطفى أحسني، باحث في علم الاجتماع آن التغيرات الاقتصادية والاجتماعية، والتحول من الأسرة الممتدة إلى الأسرة النواة أو النووية في المجتمع الحديث، أدت إلى تعاظم المسؤولية الأسرية للزوجين، بالإضافة إلى زيادة التعليم والوعي لدى المرأة، وإلى مشاركتها الرجل في تحمل الأعباء في الحياة المعيشية، بخروجها إلى العمل، فلم تعد كما كانت في الماضي زوجة وأما فقط، بل أصبحت أيضا امرأة عاملة، إضافة إلى كونها أما وزوجة.
وأوضح أحسني في تصريح ل «لالة فاطمة» أن أعداد الأمهات العاملات في تصاعد مستمر، ولا يرجع السبب أن إلى تبدل الأحوال الاقتصادية، التي دفعت المرأة إلى مرة سوق العمل لمساعدة الزوج، وتحسين مستوى المعيشة مع فقط، بل أيضا من أجل الإحساس بالاستقلالية وبناء، کیان اجتماعي خاص بها. وقد تعددت الدراسات عما يعانيه الأطفال في غياب الأبوين لساعات طويلة، خلال اليوم من صعوبات نفسية واجتماعية، حتى أصبحنا أمام ما يطلق عليه في علم الاجتماع ب ظاهرة الأم البديلة»، التي ليست بالضرورة المربية أو الخادمة إذ أن هناك فرقا بين مصطلح الأم البديلة والمربية وانعكاسها على الأطفال.
فالأم البديلة قد تكون إحدى القريبات مثل الخالة والأخت والجدة، وهي التي تقوم برعاية الطفل نفسية وبيولوجيا واجتماعيا، كأن تهتم بالتعليم والمأكل وغيرهما. وتكون هذه الأم موجودة منذ شهور الطفل الأولى، ويتعرف عليها الطفل كأم، فتتكون بينهما عاطفة الطفل والأم، فتكون الأم الحقيقية، دون أن تكون الأم البيولوجية للطفل، وهذا ما فقدته جل الأسر اليوم مع التحول من الأسر الممتدة إلى الأسرة النووية. أما المربية فهي التي تقوم بتربية الطفل، لكنها الا تمنحه الإحساس بأنها الأم الحقيقية، لأنها تتلقى أجرا مقابل العناية.
ويعتبر انشغال الأبوين الدائم عن الأبناء بأعمال لا تسمح لهما بتوفير الوقت لرعاية أطفالهما. حسب الباحث مصطفى أحسني. من أبرز الأسباب التي ساهمت في انتشار ظاهرة الأم البديلة في المجتمع.
وفي المقابل قد يكون الخروج المرأة إلى العمل بمعية الزوج إيجابيات كثيرة، يمكن أن تعود على الطفل بالنفع. فالعمل يعتبر ضرورة للمرأة، لأنه يساعدها على تطوير فكرها وشخصيتها، وبالتالي تصبح أكثر نضجا وعقلانية في التعامل مع أبنائها.
ومما لا شك فيه أن المرأة التي تعمل يكون مستواها العملي مرتفعا عن غيرها، وتكون بالتالي مهيأة أكثر من غيرها لتنشئة أطفالها بالشكل الصحيح، حيث إن خروج المرأة للعمل يزيد من ثقتها بنفسها وفي قدرتها على العطاء ويعطيها موقعا مهما في أسرتها، وتعطي نموذجا مشرفا لأبنائها عن أهمية العمل والنشاط، ويقوي الشعور بالمشاركة بين أفراد الأسرة.
ويختم مصطفى أحسني بأنه لا يمكن أن نتجاهل العامل الاقتصادي، إذ يمكن أن يوفر لأطفالها الكثير من المتطلبات الإضافية، التي لا يمكن أن يوفرها الزوج بدخله فقط. ورغم أهمية وجود الأبوين في حياة الطفل وبقائهما معه، إلا أن الأهم هو قيمة الوقت الذي يقدمانه له وما فيه من فائدة له، بدلا من أن يقضيا معه ساعات طويلة فارغة لا يستفيد منها بشيء. وعندما نتحدث عن غياب الأبوين عن الأبناء نقصد الغياب الروحي والفكري، وليس الجسماني. فغيابهم جسمانيا عن الأبناء لا يشكل عليهم خطورة إذا كان الأطفال مكتفين من إحساسهم بالأمان تجاههما، لأنهما يجب أن يعوضانهم عن هذا الغياب عند عودتهما من العمل،
بتخصيص وقت مكثف يكون لهم وحدهم. لكن الغياب الروحي وابتعاد الوالدين عن أطفالهما، وعدم إشعارهم بالأمان يفقدهم الاتزان النفسي والاستقرار.