لطالما كان أطفال الريف يلعبون بين الخرفان والدجاجات، ويكبرون بأجسام قوية تنبض بالنشاط. لم يكن هناك خوف كبير من الربو أو الحساسية كما هو الحال اليوم. الآن، ومع تطور الأبحاث، بدأ العلم يوضح أن ما نعتقده مجرد صورة ريفية جميلة قد يحمل في طياته أسرارًا للطبيعة والصحة، خاصةً للأطفال.
نتائج حديثة تُعيد المفاهيم
في مؤتمر الجمعية الأوروبية للجهاز التنفسي ، عرضت دراسة أجراها باحثون من مستشفى “سيك كيدز” في تورنتو، كندا، مفاجأة: الأطفال الذين يتعرضون لمكونات حساسية الكلاب (مكوّن يُعرف بـ Can f1) بتركيز عالٍ في منازلهم منذ عمر ثلاثة إلى أربعة أشهر، كانوا أقل عرضة بالإصابة بالربو بحلول سن الخامسة، بنسبة تقارب 48٪ مقارنة بأقرانهم. كما تبين أن هؤلاء الأطفال يمتلكون وظائف رئوية أفضل. بالمقابل، لم يُسجل أن التعرض لحساسية القطط (Fel d1) أو للمكروبات البكتيرية المنزلية (endotoxin) يمنح نفس الحماية. 
كيف تفسر هذه الفوائد؟
إنها ليست معجزة طبية، بل مجموعة من الآليات البيولوجية الناشئة من التفاعل بين الطفل وبيئته:
• الميكروبيوم المعوي التنموي: الأطفال الذين تنشأ أمعاؤهم في بيئة تحتوي كلابًا تُظهر تنوعًا أكبر في البكتيريا المفيدة خلال الشهور الأولى بعد الولادة، خاصّة بين 3 و6 أشهر. هذا التنوع يعزز قدرة الجهاز المناعي على التمييز بين ما هو مسبب للحساسية وما ليس كذلك. 
• التعرض المبكر للحساسية وعدم المبالغة في النظافة: الفرضية المعروفة بـ hygiene hypothesis تشير إلى أن التعرض لبعض الملوثات والحساسية منذ سن مبكرة قد يسهم في تدريب الجهاز المناعي ليرد بطريقة أقل التهابية. وجود الكلب في البيت يزيد هذا التعرض بشكل طبيعي دون تعريض الطفل لمخاطر كبيرة إن تمّت مراقبة النظافة العامة. 
• الاستعداد الوراثي: في دراسات لاحقة، تبيّن أن الأطفال الذين لديهم عوامل جينية تزيد من خطر الربو يستفيدون أكثر من هذا التعرض المبكر لكلاب المنزل، أي أن التأثير الوقائي أقوى إذا كان هناك استعداد وُراثي. 
حدود واحتياطات؛ ليس كل طفل مستفيد
بالرغم من الأمل الذي تثيره هذه النتائج، هناك عدد من الملاحظات التي يجب أن تكون في الحسبان:
1. الحساسية المسبقة: إذا كان الطفل أو أحد الوالدين يعاني من حساسية قوية ضد الكلاب، فإن وجود كلب قد يفاقم المشاكل التنفسية بدلاً من تحسينها.
2. البيئة المنزلية والنظافة: التعرض لا يعني الإهمال؛ من المهم المحافظة على نظافة البيت، تكرار تنظيف الفرش، غسل الأيدي، وإبعاد فرو وثريات الكلب عن مناطق نوم الطفل.
3. لا علاج بعد ظهور المرض: هذه التأثيرات تظهر في الأطفال الذين لم يُشخّص لديهم الربو بعد. وجود كلب لن يعالج الربو إن كان الطفل قد تطوّر المرض بالفعل.
4. الظروف الاجتماعية والبيئية المختلفة: معظم الدراسات أُجريت في دول ذات بنى صحية وبيئية معينة؛ ربما تختلف النتائج في أماكن التلوث العالي أو المنازل المكتظة.
ما الذي يمكن للأمهات والآباء والممارسين الصحيين أن يستفيدوا منه؟
• إذا كنتِ أمًا حاملًا أو لديك رضيع صغير، وليس هناك تاريخ عائلي عالٍ لحساسية الكلاب، فوجود كلب قد يكون خياراً إيجابياً ضمن البيئة المنزلية، بشرط توفير الرعاية الجيدة.
• المراكز الصحية يجب أن تُدخل هذه المعلومات ضمن نصائحها الوقائية، لكن بعد تقييم كل حالة على حدة.
• البحث المستقبلي مطلوب: من المهم تحديد أي أنواع كلاب تنفع أكثر، أي الممارسات المنزلية التي تكمّل الفائدة، وكيف تتفاعل العوامل الوراثية مع البيئة.
ختاما ،في عالم اليوم حيث نميل للنظافة المفرطة، حيث نغسل ونطهر ونعزل، يغدو وجود الكلب في البيت رسالة تذكير بأن الإنسان ليس منفصلاً عن الطبيعة، وأن بعض الأوساخ البسيطة قد تحمل منافع كبيرة. لا أقول: “اشترِ كلبًا لطفلك”، بل أقول: فكر في الأمر، قيّم المخاطر والفوائد، واستشر طبيب الأطفال. ربما يكون الصديق ذي الفرو ليس مجرد لعبة منزلية، إنما جسرًا نحو رئة أكثر صحة وجهاز مناعي أقدر على التكيّف.