في صباح بارد من ديسمبر، وبين ضجيج مدينة نيويورك الصاخب، دوّى صوت الرصاص على عتبات فندق هيلتون ميدتاون. المشهد كان صادماً: الرئيس التنفيذي لشركة التأمين UnitedHealthcare، بريان تومبسون، سقط ضحية جريمة اغتيال “موجهة” و”مدروسة” بعناية. و خلف هذه الجريمة، تتشابك خيوط معقدة بين ألم جسدي، صراعات نفسية، وكراهية دفينة تجاه النظام الصحي في الولايات المتحدة ، مما جعل العديد من الأشخاص يتعاطفون مع المشتبه به .
الجريمة: إطلاق نار صامت
في حوالي الساعة 6:45 صباح الرابع من ديسمبر، كان بريان تومبسون، البالغ من العمر 50 عاماً، متوجهاً لحضور مؤتمر للمستثمرين في نيويورك. بضع خطوات قبل دخوله الفندق، فاجأه مسلح ملثم بإطلاق النار على صدره من مسافة قريبة. الجاني هرب على دراجة كهربائية إلى سنترال بارك، تاركاً وراءه سؤالاً كبيراً: لماذا؟
تم إعلان وفاة تومبسون لاحقاً في المستشفى، وتحولت الحادثة إلى قضية رأي عام، و انقسم الناس إلى مدافعين عن المشتبه به و أشخاص ضده .
الجاني: شاب لامع و ناجح
المشتبه به، لويجي مانجيوني، شاب يبلغ من العمر 26 عاماً وذو خلفية أكاديمية مرموقة. وُلد وترعرع في ماريلاند، وكان الأول على صفه في مدرسة Gilman School النخبوية. حصل على شهادتين في علوم الحاسوب من جامعة بنسلفانيا، وأسس نادياً مختصاً بأبحاث الألعاب.
ولكن خلف هذه السيرة المشرقة، كان مانجيوني يعيش في ظلال ألم جسدي ونفسي مستمر. عانى لسنوات من آلام ظهر شديدة ناتجة عن انضغاط في الأعصاب. خضع لجراحة العام الماضي، لكن الألم استمر، مما أثر بشكل كبير على حياته اليومية وأدى إلى انعزاله تدريجيا عن العالم .
اختفاء لويجي عن العالم :
خلال إقامته في هاواي بين يناير ويونيو 2022، كان مانجيوني يعيش في مساحة سكنية مشتركة قرب شاطئ ألوها. ووفقاً لزملائه، كان شخصاً ودوداً وهادئاً، رغم معاناته من آلام حادة أثرت على نشاطاته اليومية.
في صيف 2024، “اختفى” مانجيوني فجأة عن الأنظار، وقطع اتصالاته مع أصدقائه. لاحقاً، أثناء إلقاء القبض عليه، وُجد بحوزته سلاح “الشبح ” عيار 9 مم مزود بكاتم صوت، إضافة إلى بعض الوثائق وبيان مكتوب بخط اليد ينتقد بشدة شركات التأمين الصحي.
الأدلة: مسرح جريمة معقد
التحقيقات كشفت أن السلاح المستخدم في الجريمة كان “مسدساً شبحياً” طبع باستخدام تقنية ثلاثية الأبعاد، مع محفورات على الرصاص تحمل كلمات مثل “إنكار” و”دفاع”. هذه العبارات تتطابق مع مصطلحات شائعة لوصف استراتيجيات شركات التأمين في تأخير وتعقيد المطالبات.
الشرطة أيضاً عثرت على حقيبة في سنترال بارك تحتوي على معطف ومبالغ نقدية مزيفة، مما يشير إلى تخطيط مسبق للجريمة.
الدافع: كراهية للنظام الصحي
بيان مانجيوني المكتوب كشف عن غضب مكبوت تجاه النظام الصحي وشركات التأمين. وفقاً للشرطة، يبدو أن مانجيوني كان يرى أن النظام الصحي الأمريكي يمثل استغلالاً وظيفياً للمرضى، وهو ما دفعه لارتكاب هذه الجريمة المروعة. أحد المصادر أشار إلى أن مانجيوني استوحى أفكاره من “مانيفستو” تيد كازينسكي المعروف باسم “Unabomber”” ، حيث انتقد بشدة النظام الرأسمالي الحديث.
كما تداولت بعض التقارير غير المؤكدة أن مانجيوني كان يرجع وفاة والدته و جدته لرفض التأمين الصحي لتغطية تكاليف علاجهما، وهو ما يُعتقد أنه زاد من غضبه تجاه النظام الصحي.
الضحية: قائد ناجح
بريان تومبسون، القائد التنفيذي الذي انضم إلى UnitedHealthcare عام 2004، كان يتمتع بسمعة طيبة في عالم الأعمال. وُصف بأنه شخص كريم ومحب لعائلته، تارك وراءه زوجة وطفلين صغيرين.
أصدرت عائلته بياناً أعربت فيه عن “حزنها العميق على فقدان زوج وأب محب” في جريمة وصفتها بـ”البشعة وغير المبررة”.
تعاطف مع الجاني:
رغم فظاعة الجريمة، أثار اعتقال لويجي مانجيوني موجة تعاطف واسعة . حيث اعتبر العديد من الأشخاص أن ما حدث كان نتيجة تراكمات من الظلم الذي تعرض له. أطلق العديد من النشطاء حملات على وسائل التواصل الاجتماعي تطالب بإطلاق سراحه و بتخفيف الحكم . مبررين ذلك بأن الظروف النفسية والاجتماعية التي عاشها لعبت دورًا رئيسيًا في دفعه لارتكاب الجريمة. كما دعت هذه الحملات إلى فتح تحقيق أوسع حول التجاوزات التي يُزعم أن مانجيوني كان ضحيتها أثناء عمله مع الشركة .
القضية: أكثر من مجرد اغتيال
قضية اغتيال بريان تومبسون ليست مجرد جريمة قتل. بل هي مرآة تعكس التوترات الاجتماعية والاقتصادية التي تكتنف النظام الصحي في الولايات المتحدة. هل كان مانجيوني مجرد شاب محطم من الألم والغضب، أم أن هذه الجريمة كانت رسالة مدروسة موجهة ضد النظام بأسره؟
القصة لم تنتهِ بعد. فمع اقتراب موعد محاكمة مانجيوني في 23 ديسمبر، تبقى التساؤلات حول تفاصيل الدافع الحقيقي و مصير الشاب مانجيوني مطروحة .