تحول “تيك توك” إلى مختبر تجارب مفتوح، تمزج فيه الفتيات الكريمات، وتجرب المؤثرات تقنيات تجميلية أمام ملايين المشاهدين في زمن أصبحت فيه مقاطع الفيديو القصيرة مرجعًا للجمال . لكن خلف هذا البريق الافتراضي، يبرز سؤال عملي وحقيقي: هل هذه الصيحات فعلاً فعّالة وآمنة، أم أنها مجرّد موضة رقمية عابرة؟
سحر الانتشار السريع
تستمد صيحات الجمال على “تيك توك” قوتها من بساطة عرضها وسرعة انتشارها. بضغطة زر، تتحول فكرة صغيرة إلى ترند عالمي. فالمحتوى القصير والموسيقى الجذابة والنتائج الفورية تمنح الإحساس بأن الجمال يمكن تحقيقه بسهولة، وهذا ما يغري الكثيرات بتجربته فوراً.
غير أن خبراء الجلدية والتجميل يحذرون من أن ما يظهر خلال ثوانٍ على الشاشة قد يحتاج في الواقع إلى أسابيع من التجربة، والمتابعة الطبية، وأحيانًا إلى سنوات من البحث العلمي قبل اعتماده.
ما الذي ينجح فعلاً؟
رغم الزخم الكبير، هناك بعض الصيحات التي يمكن القول إنها فعلاً مفيدة شرط تطبيقها بطريقة صحيحة:
- العناية الأساسية بالبشرة:
تنظيف البشرة بلطف، وترطيبها يوميًا، واستعمال واقي الشمس بشكل منتظم، خطوات بسيطة لكنها الأكثر فعالية علمياً. ويؤكد أطباء الجلد أن هذه القواعد الثلاث هي حجر الأساس في أي روتين ناجح، مهما تعددت الصيحات. - الإجراءات التجميلية الآمنة:
بعض التقنيات مثل التقشير الكيميائي الخفيف، والميكرونيدلينغ، والحقن بالفيلر أو البوتوكس، فعّالة إذا أُجريت على يد مختصين مرخّصين. الخطر يكمن عندما يتم تقليدها في المنزل بأدوات مجهولة المصدر أو بطرق غير معقمة، وهو ما تروج له للأسف بعض الفيديوهات المنتشرة.
الوجه الآخر للترند
وراء هذا المحتوى البراق تكمن مشكلات حقيقية. فقد حذّرت تقارير طبية من أن فتيات في سن المراهقة بدأن يعتمدن روتينات معقدة، غنية بالأحماض والمواد الفعالة، دون أي إشراف مختص. النتيجة؟ تهيج، حساسية، وحتى تلف دائم في حاجز البشرة.
كذلك، أدت موضة “تفريغ المسام” أو “حقن الشفاه في المنزل” إلى إصابات وعدوى لدى الكثير من الحالات التي حاولت تقليدها. فليس كل ما ينجح في فيديو مصمم بعناية، قابل للتطبيق في الحياة الواقعية.
بين الجمال والضغط النفسي
لا يتوقف تأثير “تيك توك” عند الجانب الجمالي فقط، بل يمتد إلى الصحة النفسية. فخلف كل مقطع يعرض بشرة مثالية أو ملامح متناغمة، تولد لدى المشاهدات رغبة في التشبه، وشعور دائم بعدم الرضا عن المظهر الطبيعي.
وقد أظهرت دراسات حديثة أن انتشار هذه الصيحات زاد من نسب اللجوء إلى العيادات التجميلية، حتى لدى فتيات في سن صغيرة، تحت تأثير المقارنة الدائمة والبحث عن “الكمال الرقمي”.
كيف نميز المفيد من المضر؟
• اقرئي قبل أن تجربي: تحققي من مصدر المعلومة، وابحثي عن دراسات أو توصيات من جهات طبية موثوقة.
• تجنّبي التجارب المنزلية الخطرة: خصوصًا تلك التي تتضمن الإبر أو الأجهزة الطبية.
• ابدئي ببساطة: لا تضيفي أكثر من منتج جديد في الوقت نفسه حتى لا تجهدي بشرتك.
• الواقي الشمسي أولاً: هو القاعدة الذهبية لأي روتين عناية، مهما كانت الصيحات.
• استشارة الطبيب قبل أي إجراء تجميلي: خطوة أساسية لا غنى عنها مهما بدت النتيجة “سهلة” على الشاشة.
قد يكون “تيك توك” مصدر إلهام جميل، لكنه ليس مرجعاً طبياً. بعض الصيحات وُلدت من خبرة، وأخرى من مجرّد محتوى قابل للمشاهدة. لذا، قبل أن نسمح للترند بأن يقرر شكلنا أو ما نضعه على وجوهنا، لنتذكر أن الجمال الحقيقي لا يأتي من مقطع مدته 30 ثانية، بل من رعاية متواصلة، معرفة علمية، وحب متوازن للذات.
في النهاية…
ما يصمد أمام الزمن ليس الترند، بل الوعي بما يناسبك أنتِ. فالجمال الحقيقي لا يُقاس بعدد المشاهدات، ولا يُصنع في ثلاثين ثانية، بل يُبنى على روتين متوازن، معرفة بما يحتاجه جسدك وبشرتك، وثقة هادئة بأنك لستِ بحاجة لتقليد أحد كي تكوني جميلة.
اختاري لنفسك لا لما يروَّج، وامنحي جمالك وقتًا لينضج بعيدًا عن فلاتر اللحظة وضجيج الصيحات.