لم نكن نتصور ونحن نحط الرحال بدوار إيملالن، بأننا سوف نستقبل بهذا الكم من البؤس والفقر والأمية والمرض في دوار عرف بإنتاج اللوز والجوز من أجود الأنواع، لنصدم بواقع أغرب من الخيال، دوار شبه خال من الرجال سوى من بعض الشيوخ الذين يصعب عليهم الهجرة إلى المدن، ونساء يقبعن في بيوتهن لا يقمن بشيء سوى انتظار عودة أزواجهن من المدن الأخرى كمراكش والدار البيضاء، في سبيل امتهان مهن أخرى بعيدة كل البعد عن مهنتهم الأصلية، الفلاحة، وقد تصل مدة انتظار الزوجات لأزواجهن إلى ما يقل عن ثلاثة أشهر وما فوق.
العصيدة والخبز والزيت لأسابيع
توجهنا بالسؤال إلى بعض نساء الدوار عن كيفية قضائهن ليومهن، فأجبن بصوت واحد “والو…النهر جرف كل أشجار اللوز الذي كنا نقطفه ونعيد بيعه، ولا يوجد أي تعاونيات بالدوار، ولا أحد يسأل عنا وعن حالنا، وبسبب بعد المسافة بيننا وبين الجماعة فإننا لا نستفيد من القوافل الإنسانية التي تأتي للجماعة”. واستطردت فاطمة وهي امرأة طاعنة في السن “عندما تمطر بشدة تغلق جميع الطرق ونضطر للبقاء في البيت بسبب النهر الذي يمتلئ عن آخره، ويفصلنا تماما عن باقي الدواوير الأخرى، عندها لا نجد ما نأكله سوى (لعصيدة والخبز والزيت) ولمدة أسابيع، وحتى الماشية تموت بسبب صعوبة إخراجها لترعى”، لتردف بعدها وهي شاخصة أنظارها نحونا قائلة: أنتم محظوظون لأنكم لم تولدوا فوق هذه الأرض”.
النساء يفضلن الإنجاب في بيوتهن
اشتكت النساء اللواتي التقتهن مجلة “لالة فاطمة” من ضعف التطبيب بالدوار بسبب قلة الموارد البشرية بمستوصف الدوار، الذي يفتح أبوابه فقط يومين في الأسبوع من أجل استقبال مرضى سبعة دواوير، إضافة إلى غياب أي صيدلية في عين المكان، وبالتالي فهن لا يحصلن سوى على الأدوية التي يجود بها طبيب المستوصف. كما صرحن ل لالة فاطمة ، بأن النساء الحوامل يفضلن الإنجاب في بيوتهن على يد “القابلات” بدل قطع ما يزيد عن أربعة كلم من أجل الاستفادة من الخدمات التي يقدمها المركز الصحي الذي يوجد بمركز تمزكديوين بسبب الاكتظاظ الذي يعمه، خصوصا إذا علمنا أن عدد ساكنة الجماعة يبلغ حوالي 9000 نسمة، أما عدد الأسرة في المركز الصحي فلا يزيد عن أربع، وأيضا غياب التجهيزات والأطر الكافية يعوق السير العادي للخدمات الصحية، كما تتوفر الجماعة على مستودع واحد للأدوية، وبدعم من وكالة التنمية الاجتماعية تمكنت من الحصول على سيارة إسعاف واحدة، هذه الأخيرة تعتبر غير كافية لتلبية احتياجات الساكنة، نظرا لبعد الدواوير من المركز الصحي وكذا الحالة المتردية لشبكة الطرق داخل الجماعة، مما يقلص بشكل كبير نسبة الاستفادة من خدمات هذه السيارة.
مياه النهر لجميع الاستعمالات
أول ما لحظناه ونحن نتجول بدوار إيملالن هو غياب الماء الصالح للشرب، كما لاحظنا أن مياه النهر والتي طبعا غير خاضعة لأي مراقبة من الجهات المختصة، فهي بالنسبة للساكنة تصلح لجميع الاستعمالات من شرب وغسل للملابس وأيضا للاستحمام، وحسب مصادر من الجهة فإن ثلث ساكنة الجماعة التي ينتمي إليها دوار إيملالن تتوفر على الماء الصالح للشرب، مقابل خمسين في المائة على الصعيد الإقليمي، ناهيك عن أن العديد من الأسر بالدوار تظل بلا كهرباء بسبب افتقارهم إلى الإمكانيات، وأما المصادر الرئيسية الأخرى للطاقة الكهربائية فهي الخشب والفحم الخشبي. أما بخصوص شبكة الصرف الصحي فإن 99،9 من الأسر بالجماعة لم يتم ربطها بشبكة الصرف الصحي العامة، بحيث تتخلص هذه الأسر من مياه الصرف التي تصدر عنها إما عن طريق خزانات مبنية، أو الآبار المهجورة الجافة.