تمكن فريق علمي مغربي من العثور على أول قرية تعود إلى العصر البرونزي في المغرب الكبير. هاته الأخيرة تسبق وصول الفينيقيين، مما ينسف الروايات التقليدية حول نشأة المجتمعات الأمازيغية القديمة. هذا الاكتشاف المذهل يعيد رسم خريطة التاريخ المغاربي، ويثبت أن سكان المنطقة كانوا أكثر تطورًا مما كنا نتصور.
قرية كاش كوش: حضارة ضاربة في عمق التاريخ
كشف الباحثون بقيادة عالم الآثار المغربي يوسف بوكبوط، عن موقع قرية كاش كوش ،الموجودة في قلب واد لاو، و تم تحديد تاريخها بين 2200 و600 قبل الميلاد. كما و أظهرت الحفريات مجتمعًا زراعيًا متقدمًا، مزدهرًا اقتصاديًا، يرفض الصورة النمطية التي تصوّر شمال إفريقيا كمجرد أرض بكر تنتظر التأثيرات الخارجية.
تقرؤون أيضا : اللاعبة المغربية لينا بزا تحرز لقب بطولة إفريقيا لكرة المضرب لأقل من 18 سنة
تفنيد الروايات التقليدية: من كانوا سكان كاش كوش؟
خلال التنقيبات، التي قادها الباحث حمزة بنعطية في إطار أطروحته للدكتوراه، كشفت الأدلة أن سكان هذه القرية:
- كانوا مزارعين مهرة، يحرثون الأرض بطرق متطورة.
- ربّوا الماشية، ما يدل على استقرارهم الاقتصادي.
- نسجوا علاقات تجارية واسعة امتدت إلى البحر الأبيض المتوسط والصحراء الكبرى.
هذا يدحض الاعتقاد السائد بأن المجتمعات الأمازيغية لم تبدأ في التطور إلا بعد وصول الفينيقيين، ويؤكد أنهم لم يكونوا متلقين سلبيين للحضارات الخارجية، بل كانوا فاعلين في تشكيل تاريخ المنطقة.
موقع استراتيجي يعزز فرضية “النقطة المحورية”
تقع كاش كوش على نتوء صخري يطل على واد لاو، مما يجعلها مركزًا تجاريًا مهمًا بين البحر المتوسط وجبال الريف. يرى الباحثون أن هذه المنطقة كانت نقطة وصل رئيسية بين إفريقيا وأوروبا، وهو ما قد يعيد النظر في موقع المغرب داخل الشبكات التجارية القديمة.
إعادة كتابة تاريخ المغرب الكبير
يكشف هذا الاكتشاف أننا بحاجة إلى إعادة النظر في تاريخ شمال إفريقيا بمنظور داخلي، بعيدًا عن السرديات الأجنبية التي ركّزت على تأثيرات الفينيقيين والرومان.
ويؤكد الباحثون أن الأرض المغربية لا تزال تخبئ أسرارًا قد تغيّر فهمنا بالكامل للمجتمعات القديمة، مشيرين إلى أن التنقيبات المستقبلية قد تكشف عن مدن أخرى ازدهرت قبل آلاف السنين، بعيدًا عن أعين المؤرخين التقليديين.
هذا الاكتشاف ليس مجرد إضافة جديدة للمعرفة الأثرية. بل هو خطوة نحو استعادة الهوية التاريخية لشمال إفريقيا، بمنظور ينبع من أعماقها وليس من الخارج.