تؤكد آلاف الدراسات العلمية على أهمية الإرضاع الطبيعي، وآخرها دراسة حديثة جدا تؤكد أن إقبال الأمهات على إرضاع أطفالهن للشهور الستة الأولى من حياتهم، قد يسهم في إنقاذ حياة آلاف الأشخاص. وبالرغم من ملايين الأبحاث التي تتناول الفوائد العظيمةللرضاعة الطبيعية، فإن الدراسات الطبية عنها حول فائدتها للأم والطفل لن تنتهي. “لالة فاطمة” تناقش موضوع الرضاعة الطبيعية، أهميتها وفوائدها مع كل من البروفسور عمر الصفريوي، الاختصاصي في أمراض النساء والتوليد والدكتور حياة بنسليمان كسيكس، الاختصاصية في أمراض الأطفال والرضع والأستاذ محمد أحليمي الأخصائي في الحمية العلاجية والتغذية الصحية.
الإرضاع الطبيعي عطاء رباني لا يقدر بثمن ولا يعوض بشيء، وقد أجمعت الدراسات العلمية على فوائده الجلية والخفية التي تظهر على صحة الأم والطفل.
تحمي الأم من الأمراض السرطانية
يقول البروفسور عمر الصفريوي، الاختصاصي في أمراض النساء والتوليد والعقم في حوار لـ”لالة فاطمة” إن الرضاعة الطبيعية تحمي الأمهات من الإصابة من الأمراض السرطانية خاصة سرطان الثدي، فضلا على أن النساء اللواتي يرضعن أطفالهن من ثدييهن، تنخفض لديهن عوامل خطورة الإصابة ببعض الأمراض، ناهيك عن فوائدها المعروفة من وقاية الأطفال من الإصابة بالميكروبات وزيادة مناعتهم في الشهور الأولى من عمرهم. ويؤكد البروفسور الصفريوي أن حليب الأم نقي ومعقم من عند الله تعالى ولا يحتاج إلى تحضير، بل متى ما رغب الطفل به تمنحه الأم إياه، فيرضع معه الحب والحنان والأمان، فسبحان الله الذي سخر للطفل هذا الحليب الدافئ شتاء والبارد صيفا، والذي لا يماثله أي حليب مهما اقتربت تركيبته.
وعن علاقة الولادة القيصرية بالإرضاع الطبيعي، يقول الإختصاصي في أمراض النساء والتوليد أن كمية اللبن تبدأ في التزايد تدريجيا تبعا للرضاعة، حيث إن عملية الرضاعة تنبه جسم الأم لتكوين المزيد من اللبن، لهذا ننصح الأم بالإكثار من الرضاعة و الاعتماد عليها كليا، لأنه كلما زادت الرضاعة كلما زادت كمية اللبن في ثدي الأم، ويجب أن تعلم الأم إذا كانت الولادة قيصرية، فإنه أحيانا تكون زيادة كمية اللبن ببطء عن المعتاد، فما عليها سوى الاستمرار في الرضاعة حتى يزيد اللبن. ويحدث أحيانا في بعض الحالات بدون أي أسباب واضحة أن يتدفق لبن الأم بعد أيام قليلة من الولادة ويعتبر ذلك طبيعيا.
يقوي جهاز المناعة
كشفت دراسات حديثة عن الفائدة الإيجابية للرضاعة الطبيعية في رفع نسبة معدل الذكاء للأطفال الذين يتغذون بحليب الأم، تقول الدكتورة حياة بنسليمان كسيكس، الاختصاصية في أمراض الأطفال والرضع، إن الرضاعة الطبيعية لفترة أطول تعزز من مستوى النمو الفكري للطفل وتجعل الأمعاء أكثر استقرارا، وتدعم الجهاز المناعي للطفل بشكل كبير، وذلك لدور لبن الأم فى زيادة التواصل بين الخلايا المناعية والبكتيريا النافعة الموجودة فى الأمعاء، وكذلك فى تقوية المناعة وخفض نسب الإسهال والتهابات الأذن والأكزيما والتهابات الجلد والحماية من السمنة.
يحتوي حليب الأم على مواد مغذية خاصة وهرمونات ومضادات حيوية تساعد الرضع على مقاومة الإصابات بأمراض الجهاز التنفسي والإسهال، توضح الدكتورة بنسليمان في تصريح لـ”لالة فاطمة”، أن لبن الأم يحتوي على جميع الفيتامينات والمعادن والأملاح التي يحتاج إليها الطفل، إضافة إلى فوائده في توفير المناعة والحماية من الأمراض للطفل وللأم على حد سواء، ولهذا فإنه يتعدى كونه مجرد غذاء ضروري للنمو، ومهما اقتربت تركيبة الحليب الاصطناعي من تركيبته، فإن التقارب لا يتعدى التركيبة الكيمياوية، تقول الاختصاصية في أمراض الأطفال والرضع، إن الرضاعة الطبيعية تحمي الطفل من الحساسية من الغذاء، لأن لبن الأم يكون الأنسب لمعدة الطفل ويسهل امتصاصه ويساعد في حماية الطفل من الإمساك، وأيضا يحمي الطفل من أنواع أخرى من الحساسية، مثل حساسية الصدر أو حساسية الجلد، خصوصا في الأطفال المهيئين لذلك جينيا. ويرجع الفضل في الدور الوقائي والمناعي للبن الأم في حماية الطفل في بداية حياته، لأنه يحتوي على نوع من البروتينات عبارة عن أجسام مناعية توفر الحماية اللازمة للطفل، والتي يوجد بكميات كبيرة في اللبن الذي يتم إفرازه مباشرة بعد الولادة.
وهذه البروتينات المناعية فعالة في الدفاع عن الجسم ضد عدد من الميكروبات، فضلا عن دوره النفسي في تقريب الطفل من أمه.
وإذا كانت أغلب الأمهات يجدن في العمل تلك الشماعة التي يعلقن عليه امتناعهن عن الرضاعة الطبيعية، تقول الدكتورة حياة بنسليمان، العمل ليس سببا لابتعاد الأم عن الإرضاع الطبيعي، لأن كل المؤسسات تمنح للمرأة ساعات خاصة بالرضاعة، كما أنه بإمكانها وضع حليبها بالثلاجة وتدفئته وإعطائه للطفل في وقت غيابها.
الغذاء المثالي
أما محمد أحليمي، أخصائي في الحمية العلاجية والتغذية الصحية، فيقول إن حليب الأم أول ما تتلقاه معدة الطفل التي تكون غير مؤهلة لاستقبال أي غذاء ما عدا ثديي أمه، وهو يعتبر الغذاء المثالي للطفل عند الولادة وحتى يبلغ الشهر السادس، وهذا ما يجعل الطفل يبني جسما صحيا في الأمد القصير المتوسط والبعيد.
ويؤثر على حياته المستقبلية وتقلل من احتمال الزيادة غير العادية لوزنه. ويرى الأخصائي في الحمية العلاجية والتغذية الصحية أن التخلي عن الرضاعة الطبيعية “جريمة” يدفع ثمنها الطفل والأم على حد سواء في الأمد المتوسط والبعيد.
ويؤكد أن للرضاعة الطبيعية دورا حيويا فى تشكيل ونشأة المستعمرات البكتيرية داخل أمعائه فى هذه السن المبكرة، وهو ما له بالغ الأثر فى تنظيم عمل الأمعاء وتكوين المناعة الخاصة بالطفل.