دفع اللاعب البوروندي “إيغيرانيزا أيمي غيريك” حياته ثمناً لمعتقدات غيبية،بعدما ابتلع قطعة نقدية كان يضعها في فمه كـ “تميمة حظ” . وذلك أثناء مباراة في دوري الدرجة الثانية في واقعة صادمة هزت الأوساط الرياضية الإفريقية مؤخراً. شهادات زملائه والمسؤولين أكدت أن اللاعب سقط مغشياً عليه ونقل إلى المستشفى، لكنه فارق الحياة مخنوقاً بالقطعة المعدنية. هذه الحادثة المأساوية كشفت النقاب عن شيوع استخدام “التعاويذ”بين بعض اللاعبين،رغم حظرها الصارم في لوائح الاتحاد البوروندي لكرة القدم.
لا تعد هذه الحادثة مجرد واقعة عارضة، بل هي نافذة تسلط الضوء على ظاهرة “الجوجو” أو السحر الشعبي،التي تتغلغل في ملاعب القارة السمراء كجزء من موروث ثقافي يمتزج بالهوس الرياضي، مخلفةً وراءها جدلاً واسعاً حول آثارها النفسية والرياضية.

جذور “الجوجو” في الملاعب: دعم نفسي أم وهم؟
تاريخياً، لم تكن كرة القدم في إفريقيا مجرد رياضة تنافسية، بل تداخلت مع الموروث الفكري والاجتماعي. في عديد من الثقافات، ينظر إلى السحر والتمائم كأدوات للتحكم في “الحظ” واستقطاب نتائج إيجابية غير متوقعة. ويفسر اللجوء لهذه الممارسات -التي تعد جزءاً من المعتقد الشعبي- على أنها نوع من الدعم النفسي والروحاني قبل المواجهات المصيرية.
في مقال له شارك الروائي الزامبي بونغا ليويوي السكرتير السابق بجمعية كرة القدم بزامبيا و المختص بكرة القدم الأفريقية كيف أن بعض اللاعبين والمدربين يستخدمون سوائل ومواد نباتية تدهن بها الأجسام أو توضع داخل الأحذية والقمصان، أملاً في تعزيز الأداء. والمثير للدهشة أن هذه الممارسات لا ترتبط بمستوى التعليم أو التخصص الفني، بل تفرض حضورها كقناعة راسخة تتجاوز المنطق الرياضي.

وقائع من سجلات الملاعب: بين التاريخ والواقع
تزخر الصحافة الرياضية والتقارير التاريخية بحوادث وثقت هذا التداخل بين السحر والرياضة. ومن أبرزها حادثة كأس الأمم الإفريقية 2002 حيث شوهد حارس في أحد الأندية الكاميرونية و هو يرش سائلا غريبا على أرضية الملعب قبل مباراة هامة. مما أدى لتدخل الشرطة وإدارة المباراة و توقيفه .
في اعترافات سابقة، كشف مدافعون سابقون عن لجوئهم لزيارة “متخصصين روحانيين” أو حمل تعاويذ قبل المباريات الكبرى. معتبرين أن هذه الطقوس تمنحهم دفعة من الثقة النفسية والهدوء قبل النزول للميدان.
في المقابل، يتبنى المدربون والخبراء موقفاً حازماً. حيث يرون أن هذه الطقوس تفتقر لأي منطق علمي، ويؤكدون أن الفوز يتحقق عبر التدريب الشاق والتكتيك المحكم. بل ذهب بعضهم إلى وصف هذه المعتقدات بأنها “عبء نفسي” يشتت اللاعبين، بينما انتقد مسؤولون في اتحادات وطنية الصمت تجاه هذه الظاهرة، معتبرين أنها تهدر موارد كان من الأجدر توجيهها للتطوير الفني والبدني.

الموقف التنظيمي: لوائح تواجه الخرافة
يقف الاتحاد الإفريقي لكرة القدم (CAF) والاتحادات الوطنية موقفاً متوجساً من هذه الممارسات. وتتضمن اللوائح الرسمية بنوداً تحظر إدخال أي عناصر غير رياضية أو ممارسة طقوس قد تعرض سلامة اللاعبين للخطر أو تسيء لسمعة اللعبة.
وقد سجلت التقارير الرسمية حالات عديدة تم فيها فرض غرامات قاسية وتوجيهات صارمة لمنع السحر في الملاعب. ويهدف هذا التوجه التنظيمي إلى فصل الرياضة عن الممارسات غير الاحترافية، وتأكيد أن المهارة والتحليل الفني هما المعيار الوحيد للنجاح.
إن الجدل حول السحر في الكرة الإفريقية لا يمكن عزله عن السياق الاجتماعي؛ فالتمائم جزء من الحياة اليومية في مجتمعات عديدة كاستجابة للضغوط المختلفة. ومع ذلك، فإن تحولها إلى محرك داخل الملاعب يطرح تساؤلات حول مستقبل الاحتراف في القارة.
إن هذه الوقائع لا تهدف لتهميش الثقافة، بل تدعو لنقد موضوعي يعزز الوعي بأن الانتصارات الرياضية تبنى بالانضباط والتخطيط، وليس بالأوهام. تبقى قضية الشعوذة ملفاً معقداً يثري النقاش حول هوية الكرة الإفريقية، بانتظار اليوم الذي تنتصر فيه الموهبة بشكل كامل على الخرافة.