بعيداً عن صخب البساط الأحمر وأضواء النجوم التي تميز المهرجان الدولي للفيلم بمراكش، تبرز في دورة هذا العام (28 نونبر – 6 دجنبر) أعمال سينمائية تنحاز إلى الذاكرة والتاريخ الراهن. وفي هذا السياق، يُعرض الفيلم الوثائقي “فاطنة، امرأة اسمها رشيد” للمخرجة هيلين هاردر، ضمن قسم “الآفاق”، ليعيد فتح ملف “سنوات الرصاص” بالمغرب، لكن هذه المرة من زاوية نسائية حميمية.
الشريط، الذي يشهد عرضه العالمي الأول يوم 3 دجنبر المقبل، لا يقدم نفسه كعمل استعادي محض، بل يحاول، وفقاً للمعطيات المتوفرة، بناء جسر بين الماضي والحاضر من خلال شخصية فاطنة البيه. هذه المناضلة اليسارية التي دوّنت تجربتها سابقاً في كتاب يحمل العنوان ذاته، تعود اليوم عبر الشاشة الكبيرة، ليس فقط بصفتها ناجية من الاعتقال السياسي، بل كفاعلة جمعوية تواصل نشاطها في قلب الدار البيضاء.
تعتمد المقاربة الفنية للمخرجة هيلين هاردر على المزج بين زمنين؛ زمن الذاكرة الموثق عبر أرشيف سينمائي مغربي نادر يعود لحقبتي الستينيات والسبعينيات – خضع بعضه للترميم مؤخراً – وزمن الحاضر الذي تتحرك فيه “فاطنة” اليوم وهي في السابعة والستين من عمرها.
هذا التوظيف للأرشيف يبدو محاولة لتجاوز السرد الكلاسيكي للشهادات الشفوية، نحو خلق مناخ بصري يربط الفضاء العام (شوارع الدار البيضاء) بالتحولات السياسية والاجتماعية التي شهدتها البلاد. فالفيلم يتتبع تنقلات البيه الحالية، من مرافقتها لسجينات سابقات إلى تنظيمها أنشطة ثقافية داخل المؤسسات السجنية، ليطرح تساؤلات حول مفهوم “استمرارية النضال” وكيف يتحول ضحايا الأمس إلى صناع تغيير اليوم.
يكتسي عرض هذا العمل أهميته من كونه يسلط الضوء على “أدب السجون” و”ذاكرة الاعتقال” بصيغة المؤنث، وهو جانب ظل لسنوات أقل تداولاً مقارنة بسرديات المعتقلين الرجال. الفيلم، إنتاجياً، هو ثمرة تعاون مشترك (مغربي، فرنسي، بلجيكي)، ويحاول تقديم قراءة سينمائية لمسار جيل كامل حلم بالتغيير ودفع الثمن، قبل أن ينخرط في مسارات المصالحة والعمل المدني.
الجمهور والنقاد سيكونون على موعد لاكتشاف هذا الشريط، الذي ينتقل بعد محطة مراكش للعرض في بروكسل، لتقييم مدى نجاحه فنياً في معالجة ثقل الذاكرة دون السقوط في المباشرة، ومدى قدرة السينما الوثائقية على أن تكون وثيقة للتاريخ بقدر ما هي عمل فني مستقل.
يُذكر أن العرض الرسمي مبرمج يوم الثلاثاء المقبل بقصر المؤتمرات، ضمن برمجة تسعى لتنويع العرض السينمائي ليشمل القضايا الإنسانية والحقوقية الراهنة