يُعد تساقط الشعر بعد الولادة من أكثر التغيرات التي تفاجئ الأمهات، إذ تلاحظ كثيرات تراجعاً واضحاً في كثافة شعرهن بعد أشهر قليلة من الإنجاب. ورغم أن الظاهرة شائعة ولا تدعو للقلق من الناحية الطبية، فإن وقعها النفسي ليس بسيطاً. فالشعر بالنسبة للمرأة ليس مجرد مظهر، بل جزء من هويتها وثقتها بنفسها. فما الأسباب الحقيقية وراء هذا التساقط؟ ومتى يصبح الأمر طبيعياً، ومتى يحتاج إلى تدخل؟
ما الذي يحدث للشعر بعد الولادة؟
خلال فترة الحمل، ترتفع مستويات هرمون الإستروجين في الجسم، فيطيل عمر الشعرة ويؤخر تساقطها. لهذا يبدو الشعر أكثر كثافة ولمعاناً في تلك المرحلة.
لكن ما إن تضع المرأة مولودها، حتى تنخفض هذه الهرمونات بشكل مفاجئ، فتدخل نسبة كبيرة من البصيلات مرحلة السكون، ثم تبدأ بالتساقط بعد أسابيع – وهي حالة تعرف طبياً باسم تيلوجن إيفلوفيوم (Telogen Effluvium).
الخبر الجيد أن هذه الحالة مؤقتة، والشعر يعود تدريجياً إلى طبيعته خلال بضعة أشهر.
متى يبدأ التساقط ومتى يتوقف؟
يبدأ التساقط عادة ما بين الشهرين الثاني والرابع بعد الولادة، ويبلغ ذروته في تلك الفترة.
في معظم الحالات، يعود الشعر إلى كثافته السابقة في غضون ستة إلى اثني عشر شهراً، وفقاً لتقارير الأكاديمية الأمريكية للأمراض الجلدية.
لكن إذا استمر التساقط بعد مرور عام أو ظهرت فراغات واضحة في فروة الرأس، فذلك يستدعي استشارة طبيب الجلدية للتأكد من عدم وجود سبب آخر مثل اضطراب الغدة الدرقية أو فقر الدم.
الأسباب الخفية التي تزيد المشكلة
إلى جانب التغير الهرموني، هناك مجموعة من العوامل التي قد تُفاقم تساقط الشعر بعد الولادة، منها:
- الإجهاد النفسي والجسدي: قلة النوم، التوتر، وتعب العناية بالمولود تؤثر في توازن الجسم وتضعف نمو الشعر.
- نقص العناصر الغذائية: انخفاض مستويات الحديد، الزنك، وفيتامينات B12 وD يجعل الشعر هشّاً وسريع التساقط.
- الرضاعة الطبيعية: لا تسبب التساقط مباشرة، لكنها تزيد حاجة الجسم إلى التغذية الجيدة.
- الأدوية أو الحالات الصحية: بعض العلاجات أو اضطرابات الغدة الدرقية قد تؤدي إلى تساقط مفرط، ما يستدعي متابعة طبية.
كيف تعتنين بشعرك في هذه المرحلة؟
العناية الصحيحة تبدأ بالوعي والهدوء. إليك نصائح فعّالة تقلل التساقط وتساعد على استعادة الحيوية:
- تعامل لطيف مع الشعر: استخدمي مشطاً واسع الأسنان وتجنّبي التسريحات المشدودة والمكواة الحرارية.
- اختيار المستحضرات المناسبة: استعملي شامبو وبلسم لطيفين خاليين من الكبريتات، وابتعدي عن الصبغات أو المواد الكيميائية.
- تغذية متوازنة: ركّزي على البروتين، الخضار الورقية، الفواكه الطازجة، والدهون الصحية.
- الراحة والنوم: الإجهاد يزيد التساقط، فاحرصي على راحة كافية كلما أمكن.
- المكملات الغذائية: استمري في الفيتامينات التي كنتِ تتناولينها أثناء الحمل، بعد استشارة الطبيب.
متى تحتاجين إلى علاج طبي؟
إذا استمر التساقط لأكثر من سنة أو ظهرت فراغات لافتة، يُنصح بإجراء فحوص الدم لمعرفة مستويات الحديد ووظائف الغدة الدرقية.
قد يوصي الطبيب أحياناً بعلاج المينوكسيديل الموضعي، لكنه يُستخدم فقط تحت إشراف طبي خصوصاً أثناء الرضاعة، لتفادي أي امتصاص يؤثر في الطفل.
تساقط الشعر بعد الولادة ليس مرضاً بل مرحلة طبيعية مؤقتة يمر بها معظم النساء.
بالصبر، والتغذية السليمة، والعناية الهادئة، يستعيد الشعر توازنه تدريجياً.
تذكّري أن ما تفقدينه اليوم، سيعود أكثر قوة ولمعاناً غداً. فكما يتجدد قلب الأم بحب مولودها، يتجدد شعرها مع مرور الوقت حين تجد التوازن من جديد.