يخرج شباب مقنعون في ثاني أيام عيد الأضحى وهم يرتدون جلود الأضاحي، يحملون قرونًا وفؤوسًا رمزية. ويجوبون أزقة قرية “شهريمان” الواقعة قرب مدينة بورصة شمال غرب تركيا،مطلقين أصواتًا غريبة ومفاجئين المارة بمشاهد تجمع بين الرهبة والضحك.
العادة تُعرف محليًا باسم “Deliler”، وهي طقس فلكلوري يُعاد إحياؤه سنويًا تخليدًا لفرسان الدولة العثمانية الذين حملوا الاسم ذاته. وكانوا يتميزون بلباسهم الغريب وشجاعتهم الخارقة. اليوم، لا يحمل “دلالير” سيوفًا حقيقية، لكنهم يعيدون تمثيل مشهد جماعي يوقظ ذاكرة القرية ويمنح عيد الأضحى طابعًا احتفاليًا خاصًا.
من بورصة إلى سوس… تشابه مثير مع “بوجلود” المغربي
للمشاهد المغربي، ما يحدث في تركيا لا يبدو غريبًا تمامًا. فبمجرد رؤية الشبان المقنعين والمغلفين بجلود الأضاحي، تتبادر إلى الذهن شخصية “بوجلود” أو “بولبطاين”، التي تظهر مباشرة بعد عيد الأضحى في عدد من المدن والقرى المغربية، خصوصًا في سوس، الأطلس الكبير، ومراكش.
كما في تركيا، يقوم “بوجلود” بارتداء جلود الأضحية، ويتجول في الأزقة حاملاً عصيًا أو أغصانًا، يطارد بها الأطفال في جو احتفالي مليء بالضحك والمفاجأة، ويصاحب حضوره أحيانًا موسيقى “عيساوة” أو “كناوة”. ورغم تراجع الطقس في بعض المدن بسبب التحضّر، إلا أنه لا يزال حاضرًا في الذاكرة الجماعية.
جلد.. قرون.. واحتفال شعبي يتجاوز الجغرافيا
رغم اختلاف السياقات الثقافية والتاريخية، يكشف التشابه بين “Deliler” و”بوجلود” عن تقاطعات لافتة:
- يرتبط الطقس بعيد الأضحى في الحالتين.
- يعتمد على استخدام جلود الأضاحي كزي رمزي.
- يتمحور حول العرض في الفضاء العام، بما فيه من رهبة وفرجة.
- يلعب فيه الشباب دورًا مركزيًا في إحياء التراث الشعبي.
القرون والأقنعة الجلدية ليست زينة فقط، بل أدوات رمزية تُستعمل لإعادة تمثيل مشاهد أسطورية أو بطولية، تؤسس لذاكرة جماعية تحتفي بالمغاير والمفاجئ والمقدّس.
طقس احتفالي أم ذاكرة مقاومة؟
هذه الطقوس لا تنتمي فقط إلى عالم الفرجة، بل تعبّر عن تمسك بالهوية الثقافية، وتعيد ربط الإنسان بجذوره في زمن يتغير بسرعة. في المغرب كما في تركيا، يتحول جلد الأضحية إلى لغة تحتفي بالماضي، تذكّر بالدور الاجتماعي للجماعة، وتبقي الحكايات الشعبية حيّة في الشوارع والأزقة.
سواء كنت في قرية مغربية تتابع “بوجلود”، أو على أطراف مدينة تركية تشاهد “Deliler”، فالمشهد يوحّد بين الشعوب أكثر مما يفرقها… ولو كان ذلك عبر جلد، قناع، وصرخة من عمق التاريخ.