تحولت شقة صغيرة في شارع 268 بمنطقة المعمورة البلد إلى مسرح لجرائم بشعة هزّت الرأي العام في قلب مدينة الإسكندرية، حيث يختلط عبق البحر بأصوات الحياة الصاخبة. لم يكن أحد يتوقع أن هذه الشقة، التي استأجرها رجل خمسيني يعمل محاميًا، ستصبح “غرفة الموت” التي أودت بحياة ثلاث سيدات بطرق مروعة. ولكن كما في كل قصة جريمة، هناك خيط رفيع، تفصيلة صغيرة، تكشف المستور. وفي هذه المرة، كان الفضول هو بطل القصة.
بداية القصة.. محامٍ بوجهين
المتهم، نصر الدين أ، لم يكن مجرد محامٍ عادي، بل كان رجلًا يعيش حياة مزدوجة. بدأ حياته المهنية في كفر الشيخ بعد تخرجه في كلية الحقوق عام 1994، لكنه لم يكتف بمسار المحاماة التقليدي. كان مهووسًا بحقوق الإنسان، وأسّس مكتبًا في الإسكندرية عام 2019 تحت اسم “المنظمة المصرية لحقوق الإنسان والتنمية”، وهو الغطاء الذي استخدمه لاستدراج ضحاياه.
بعيدًا عن مظهره القانوني، كان يعيش حياة مختلفة تمامًا، حيث اعتاد على استغلال النساء واستدراجهن إلى شقته، وهناك، كان يرتكب جرائمه دون أن يثير الشكوك حوله.
الضحايا.. بين الزواج العرفي والخلافات المالية
بحسب التحقيقات، كانت أولى ضحاياه زوجته العرفية، والتي انتهت علاقتها به إلى مأساة مروعة. أما الضحية الثانية، فكانت إحدى موكلاته التي وثقت به، لكنها دفعت حياتها ثمنًا لذلك. فيما كانت الثالثة، وهي أيضًا موكلته، ضحية خلاف مالي انتهى بها مدفونة تحت بلاط غرفة في شقته.
السر المغلق داخل “غرفة الموت”
ظلت جرائم سفاح الإسكندرية طي الكتمان، حتى جاءت اللحظة التي قلبت حياته رأسًا على عقب. إحدى السيدات، التي كانت تقيم معه لعدم امتلاكها مسكنًا، لاحظت وجود غرفة مغلقة دائمًا تنبعث منها رائحة كريهة. فضولها دفعها للسؤال، لكنه كان يتهرب مرارًا. ازدادت شكوكها، وقررت أن تعرف الحقيقة بنفسها.
في إحدى الليالي، وخلال وجود المتهم برفقة ثمانية أشخاص بينهم ثلاث سيدات، استغلت الفرصة واستعانت ببعض الحاضرين لاقتحام الغرفة المغلقة. وما إن فُتح الباب حتى انكشفت الكارثة.. جثث مدفونة، آثار حفر، وبلاط منزوع.

المساومة التي كشفت الجريمة
بدلًا من التوجه إلى الشرطة، حاول الحاضرون استغلال الأمر لصالحهم. بدأوا بمساومة المتهم مقابل التستر عليه، لكن الأمور خرجت عن السيطرة عندما تعالت أصوات المشادات بينهما. الجيران سمعوا الصراخ، وأحدهم لم يتردد في إبلاغ الشرطة.
تقرؤون أيضا: الأم القاتلة سوزان سميث : بين ندم قاتل وحكم لا يتغير ” فيديو “
السقوط المدوي لسفاح الإسكندرية
لم تمضِ سوى دقائق حتى كانت الأجهزة الأمنية تطوّق المكان. أُلقي القبض على نصر الدين أ، وخلال التحقيقات، لم يستطع الإنكار طويلًا. اعترف بكل جرائمه، كاشفًا عن تفاصيل مرعبة حول كيفية استدراجه للضحايا، قتله لهن، وإخفاء الجثث بأساليب مختلفة، منها الدفن داخل الشقة أو لفها ببطانيات وأكياس بلاستيكية لمنع انبعاث الروائح.
مفاجأة.. المزيد من الجثث في أماكن أخرى!
لم تكن تلك الجثث الثلاث سوى بداية الكشف عن فصول أكثر دموية. أثناء التحقيقات، قادت المعلومات إلى شقة أخرى استأجرها المتهم في شارع 45 شرق الإسكندرية، حيث عُثر على جثة جديدة لرجل مقطّع إلى نصفين ومدفون تحت الخرسانة. استغرقت عملية الحفر خمس ساعات حتى تمكنت القوات من استخراجها، ليُضاف الضحية الجديدة إلى قائمة ضحاياه.
وخلال البحث، عثرت الشرطة على بطاقة فيزا كارد تعود للضحية، ما ساعد في تحديد هويته، واتضح أنه كان مفقودًا منذ ثلاث سنوات.
المتهم.. رجل بوجهين وهوس غريب بالقرآن واللغة العربية
لم يكن نصر الدين أ مجرد قاتل، بل كانت لديه تناقضات غريبة. كان يعشق اللغة العربية ويتابع دروس الشيخ الشعراوي، حتى إنه كان يمتلك ستة هواتف محمولة يشغل عليها القرآن الكريم باستمرار. لكن هذه الروح الدينية التي حاول أن يظهرها لم تمنعه من ارتكاب أبشع الجرائم بدم بارد.
حبس وانتظار القصاص
بعد القبض عليه، أصدرت النيابة قرارًا بحبسه لمدة 15 يومًا على ذمة التحقيقات، مع الاستمرار في البحث عن ضحايا آخرين محتملين. حالة من الذعر سيطرت على سكان المنطقة، خاصة مع استمرار عمليات البحث في عقارات أخرى كان يستأجرها المتهم.
نهاية الوحش السفاح .. ولكن ماذا عن ضحاياه المجهولين؟
مع استمرار التحقيقات، تبقى هناك أسئلة لم تُجاب بعد.. هل هناك مزيد من الجثث لم تُكتشف بعد؟ هل هناك ناجون لم يجرؤوا على التحدث؟ وهل كان لهذا القاتل شركاء في جرائمه أم أنه تصرّف بمفرده طوال هذه السنوات؟
الأجهزة الأمنية تواصل تحرياتها، لكن الحقيقة الوحيدة التي أصبحت واضحة هي أن سفاح الإسكندرية لن يعود حرًا مرة أخرى.. بعد أن كشفه الفضول القاتل لإحدى النساء، وأوقعه في شر أعماله.