توفي زوجي منذ ثلاثة أسابيع تقريبا، وأنا ملزمة اليوم بالخروج إلى العمل حتى أستطيع تأمين المأكل والملبس لصغاري. ما حكم عدم ارتداء الأبيض أو ما يصطلح عليه بـ “حق الله”؟
قال تعالى : ( والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا ) سورة البقرة 234 ، فرض الله تعالى في هذه الآية العدة على المرأة التي توفي عنها زوجها، وحددها في أربعة أشهر وعشرة أيام، ولم يفرض عليها خلال العدة إلا ثلاثة أمور، هي:
الاعتداد: حيث تتربص بنفسها فلا تتزوج ولا تخطب.
والإحداد : حيث تجتنب كل مظاهر الزينة والإغراء، مثل الحناء والاكتحال واستعمال الأصباغ والمساحيق، التي تتجمل بها المرأة عادة لزوجها ومثل أنواع الطيب والعطور والحلي والثياب الزاهية والمغرية. حتى تخف حدة الحزن، وتبرد عواطف الأسى، ومظاهر الكآبة من قبل الزوجة، ومن قبل أهل المتوفى. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث (أي ثلاث ليال) إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا”. متفق عليه وعن أم سلمة رضي الله عنها: “أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للمتوفى عنها زوجها لا تلبس المعصفر ( الأحمر وكل لون مثير) من الثياب، ولا الحلي، ولا تختضب، ولا تكتحل..” أبو داود والنسائي
فإن لبست البياض في العدة كما هو العرف والعادة عند المغاربة، ليعلموا الناس بأن هذه أرملة، فيحترموا عدتها، وقد يساعدونها ويساعدوا أيتامها إن احتاجوا، أو قد يعلم من له حاجة بالزواج منها أن زوجها قد توفي… وغير ذلك من المقاصد للباس الأبيض، فلا حرج، لكنه ليس واجبا ولم ينص عليه قرآن ولا سنة، لذلك إن لم تلبسه فلا شيء عليها، إنما تتجنب الزينة كما سبق بيانه.
والأمر الثالث الذي يلزم المتوفى عنها زوجها: أن تلزم بيتها الذي مات زوجها وهي فيه، لا تغادره طوال أشهر العدة، إلا لعذر شرعي، مثل العلاج
أو شراء الأشياء اللازمة إذا لم يكن لها من يشتريها، أو الذهاب إلى عملها الملتزمة به، كالمدرسة والطبيبة والممرضة وغيرهن من النساء العاملات.
أو الطالبة في مؤسسة تعليمية، فلهؤلاء أن يخرجن بالقدر الذي تقضى به الحاجة، ولا تزيد على ذلك، حيث ليس لها الخروج للصلاة في المسجد، أو السفر لحج أو عمرة أو غير ذلك.
وبهذا كله نعلم أن كثيرا مما هو شائع عند عموم الناس في بلدنا الحبيب من معتقدات حول المعتدة؛ لا أصل له في الشرع؛ فلها أن تكلم الناس ويكلموها بالمعروف، وأن يدخل عليها محارمها وغيرهم من الرجال الثقات، مادامت محتشمة وفي غير خلوة، ولها أن تخرج لقضاء مآربها الضرورية وبالأخص للمرأة إذا كانت عاملة عملاً تقتاتُ منه، وفي ذلك يقول ابن قدامة: «وللمعتدة الخروج في حوائجها نهارًا سواءٌ كانت مُطلقة أو متوفى عنها زوجها». ويستشهد بما قاله الصحابي الجليل جابر بن عبد الله حين قال: «طُلِّقَتْ خَالَتِي ثَلاثًا فَخَرَجَتْ تَجُدُّ- أي تقطع- نَخْلاً لَهَا فَلَقِيَهَا رَجُلٌ فَنَهَاهَا، فَأَتَتِ النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لَه، فَقَالَ لَهَا: «اخْرُجِي فَجُدِّي نَخْلَكِ لَعَلَّكِ أَنْ تَصَدَّقِي مِنْه أَوْ تَفْعَلِي خَيْرًا»، وروى مُجَاهِدٌ قَالَ: «اسْتُشْهِدَ رِجَالٌ يَوْمَ أُحُدٍ فَآمَ نِسَاؤُهُمْ وَكُنَّ مُتَجَاوِرَاتٍ فِي دَارٍ، فَجِئْنَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقُلْنَ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا نَسْتَوْحِشُ بِاللَّيْلِ فَنَبِيتُ عِنْدَ إِحْدَانَا، فَإِذَا أَصْبَحْنَا تَبَدرْنَا إِلَى بُيُوتِنَا، فَقَالَ النَّبِي، صلى الله عليه وسلم: «تَحَدَّثْنَ عِنْدَ إِحْدَاكُنَّ مَا بَدَا لَكُنَّ فَإِذَا أَرَدْتُنَّ النَّوْمَ فَلِتَؤُبْ كُلُّ امْرَأَة مِنْكُنَّ إِلَى بَيْتِهَا».
أجاب عنها الأستاذ عزالدين راجعي (خطيب وواعظ)