لم تهدأ بعد موجة الجدل التي أثارتها لعبة «روبلوكس» داخل العراق، حتى كشفت السلطات الأمنية عن واحدة من أبشع الجرائم المرتبطة بعالم الألعاب الإلكترونية، بعد أن قاد مراهق عبر المنصة الشهيرة نحو ثلاثين طفلاً ومراهقاً إلى الانتحار، في واقعة صدمت الرأي العام وأعادت طرح سؤال خطير: إلى أي مدى يمكن أن تتحول التكنولوجيا إلى أداة تدمير نفسي واجتماعي؟
القبض على المتهم بعد سلسلة وفيات غامضة
أعلنت وزارة الداخلية العراقية، خلال مؤتمر صحفي الثلاثاء الماضي، عن إلقاء القبض على مراهق تورّط في استدراج عشرات الأطفال والمراهقين من داخل العراق وخارجه عبر لعبة «روبلوكس»، وتحريضهم على إيذاء أنفسهم، وصولاً إلى الانتحار.
ووفقاً لما صرّح به مدير مديرية مكافحة الاتجار بالبشر، فإن المتهم كان يجند ضحاياه بأساليب نفسية مضللة داخل اللعبة، ويطلب منهم تنفيذ طقوس غريبة، من بينها كتابة أسمائهم بالدم على أجسادهم، وإيذاء الحيوانات، والانصياع الكامل لأوامره.
وأضاف الياسري أن آخر ضحاياه كانت فتاة عراقية مراهقة أنهت حياتها طاعة لتعليماته، مشيراً إلى أن عدد الضحايا الذين تأكد انتحارهم وصل إلى 30 شخصاً من جنسيات عربية وأجنبية مختلفة.
لعبة تحوّلت إلى منصة للاستغلال
لم تكن هذه الحادثة الأولى التي تضع «روبلوكس» تحت المجهر، إذ سبقتها تحذيرات متكررة من خبراء وتقارير رسمية حول خطورتها على الأطفال والمراهقين، لما تحتويه من محتويات غير لائقة وتفاعلات غير آمنة.
وتتيح اللعبة التواصل المباشر بين المستخدمين داخل عوالم افتراضية مفتوحة، ما يجعل الفئات الصغيرة فريسة سهلة للابتزاز أو الاستغلال، خصوصاً في غياب رقابة الأهل أو ضعف الوعي الأمني الرقمي.
العراق يحظر «روبلوكس» حفاظاً على الأمن المجتمعي
في 20 أكتوبر الجاري، قررت السلطات العراقية حظر لعبة روبلوكس داخل البلاد، بعد رصد تجاوزات تضمنت إيحاءات جنسية وألفاظاً نابية ومشاهد تتنافى مع القيم والتقاليد العراقية.
وأوضحت وزارة الداخلية أن الحظر جاء استناداً إلى قرارات المحكمة الاتحادية العليا، بهدف حماية الأمن المجتمعي وصون القيم الأخلاقية والتربوية للأسرة والأطفال.
وأكدت الوزارة أن اللعبة تمثل خطراً أمنياً وسلوكياً متزايداً، كونها تتيح التفاعل المباشر بين المستخدمين، وتفتح المجال أمام محاولات الاستغلال والابتزاز الإلكتروني.
تحذيرات للأهالي: راقبوا ما يفعله أبناؤكم على الإنترنت
عقب الكشف عن الجريمة المروعة، وجهت السلطات الأمنية دعوة عاجلة إلى الأسر بضرورة مراقبة استخدام أبنائهم للألعاب والمنصات الرقمية، وتوعيتهم بالمخاطر النفسية والاجتماعية التي قد تنجم عن الانخراط في بيئات افتراضية مجهولة الهوية.
كما شددت على أهمية الدور الأسري في الوقاية من هذه الظواهر، إلى جانب تعزيز الرقابة التقنية والتشريعية لحماية القاصرين من التورط في أنشطة رقمية مشبوهة.
مأساة رقمية تكشف الوجه المظلم للعالم الافتراضي
تكشف قضية «روبلوكس» في العراق عن جانب قاتم من التكنولوجيا حين تُستخدم دون وعي أو ضوابط، وتؤكد أن الألعاب الإلكترونية ليست مجرد تسلية، بل قد تتحول إلى سلاح نفسي قاتل في يد من يجيد التلاعب بعقول المراهقين.
وبينما تتسع دائرة التحقيق في القضية، تبقى الرسالة الأهم أن حماية الأطفال تبدأ من البيت أولاً، ومن الوعي بخطورة العالم الرقمي الذي يتجاوز أحياناً حدود الخيال، ليصبح واقعاً يهدد حياة الأبرياء.