تؤكد العديد من الدراسات و الأبحاث السوسيولوجية أن شهر المودة و العسل لا يعمر طويلا في حياة كثير من الأزواج ؟ فبمجرد انقضاء الأيام الأولى من الزواج حتى تستحيل الحياة إلى جحيم من المشاكل و الصعوبات . يقول عبد الرحيم العطري في تصريح للالة فاطمة و هذا لا يعني بالطبع أن مآل كل الزيجات يصير بطعم الألم و المعاناة ، و إن كانت نسب مهمة تسير في هذا المنحى . فالمرحلة التي تسبق الزواج -يضيف العطري- هي التي تحدد المآل و المستقبل المحتمل للحياة الزوجية ، ففي الوقت الذي تغيب فيه الصراحة و الوضوح ، و يتم استعمال الأقنعة بشكل مفرط ، لإظهار ملامح استثنائية لشخصية غير موجودة أصلا ، فإن الانغمار في دنيا الزواج و توالي الأيام و تنامي ضغوطات اليومي ، فإن ذلك كله يزيل كل الأقنعة ، و يكشف الوجه الحقيقي لكل فاعل في مؤسسة الزواج .
و منه تتحول أيام التباهي و التلميع و تنمسخ بشكل كارثي ، يسترسل الأستاذ في علم الاجتماع ، لتطفو على السطح كل المشاكل و العيوب التي حرص الزوجان قبلا على طمسها و تجاوزها . لكن الأمر لا يقف عند عامل الإخفاء و البعد بين الخطاب و الممارسة ، بل يتعلق أيضا بمسألة مجابهة الواقع و خذلانه ، فالمرحلة التي تسبق الزواج ، يقول العطري ، يحضر فيها البعد العاطفي بشكل قوي ، بل يتم تغييب العقل أحيانا ، لكن بمجرد الانخراط في دنيا اليومي ، حتى تكشر الحياة عن أنيابها ، و يتراجع الحس الحالم الطوباوي لفائدة الحس العملي الواقعي ، و بذلك تتوارى قيم العاطفة الجياشة في مقابل التنامي الملحوظ لمبدأ الواقع و الألم .
هناك سبب آخر يقلص من مسافة شهر العسل ،يخلص عبد الرحيم العطري ، و هو متعلق بالاعتيادية و التعود على الآخر ، فقبل الزواج يكون الطرف الآخر بعيدا عن المتناول ، لكنه مع انبناء الزواج و مرور الأيام يصير هذا الطرف قبالة العين بشكل يومي ، و هو ما يعني وجوده على خط اليومي و العادي في سلم الحياة .و مع كله فالسبب الرئيسي الذي يمكن الارتكان إليه في تفسير انمساخ شهر العسل فهو متصل بالأساس بما بصم المرحلة السابقة للزواج من استعمال للأقنعة و ابتعاد عن الواقعية مع ما تحيل عليه هذه الممارسات من نفاق اجتماعي و تمويه نفسي .الشيء الذي يدفع إلى التأكيد مجددا على أن نجاح الزيجات يحسم بامتياز في مرحلة ما قبل الزواج ، و أن شهر العسل و السعادة و التفاهم لا يمكن أن يتكرس واقعيا و يصير متجذرا في الحياة الزوجية و إلى الأبد ، إلا بفضل الصدقية و التواصل و التفاهم القبلي .