غيّب الموت صباح اليوم السبت 26 يوليوز الموسيقار اللبناني زياد الرحباني، عن عمر ناهز 69 عاماً، بعد صراع مع المرض في أحد مستشفيات بيروت، تاركًا خلفه مسيرة فنية استثنائية رسخت حضوره في وجدان اللبنانيين والعرب، وأثّرت بعمق في الموسيقى والمسرح العربي المعاصر.
زياد، الابن البكر للسيدة فيروز والراحل عاصي الرحباني، لم يكن مجرد امتداد للمدرسة الرحبانية، بل خلق لنفسه لغة فنية خاصة منذ بداياته في السبعينيات، حيث فاجأ الجمهور بمسرحيته الأولى “سهرية”، معلناً من خلالها ولادة مسرح سياسي ساخر وموسيقى حديثة جريئة.
تميّزت أعمال زياد المسرحية بنقدها اللاذع والذكي للواقع السياسي والاجتماعي اللبناني والعربي، حيث لم يتردد في طرح القضايا الحساسة بلغة ساخرة وخارجة عن المألوف. مزج بين الهزل والجد، بين الألم والتهكم، ليصنع لوناً مسرحياً خاصاً، جعل من الخشبة منبراً حرًا يعبّر عن هموم الناس اليومية وتناقضاتهم.
في موازاة نشاطه المسرحي، كان زياد الرحباني موسيقياً مجدداً أدخل أنماط الجاز والموسيقى الغربية إلى اللحن الشرقي، ووضع بصمته في مجموعة من الأغاني التي كتبها ولحنها لوالدته فيروز، معلنًا بذلك مرحلة فنية جديدة ومغايرة في مسيرتها. كما تعاون مع فنانين آخرين، وظل دائم الابتكار والتجريب، رافضًا الجمود أو التكرار.
لم يكن زياد مجرد موسيقي أو كاتب مسرحي، بل كان صوتاً صريحاً وفكرياً حراً في زمن الصمت. عبر كلماته وألحانه، جسّد التزاماً عميقاً بقضايا الإنسان العربي، خاصة في فترات الحرب والاحتلال والقمع. وكان لمواقفه الجريئة والمباشرة وقعها في الساحة الثقافية والسياسية، ما أكسبه احتراماً واسعاً رغم الجدل أحياناً.
برحيل زياد الرحباني، يخسر لبنان والعالم العربي أحد أبرز رموز الإبداع المعاصر. فنان عاش حراً ومات متمرداً، وبقيت أعماله شاهدة على زمن بأكمله. من خشبات المسرح، ومن ألحانه الذكية، ومن حواراته المليئة بالحس الإنساني والتهكم، ترك لنا ما يكفي لنحبه ونشتاق إليه طويلاً.