هي فكرة راودت صحراويات منخرطات في إطار جمعية نسائية بمنطقة واد الذهب الكويرة، لتتطور الفكرة وتصبح حقيقة بعد أن تكتلن داخل تعاونية، منبثقة عن جمعيتهن، وهي التعاونية التي تعمل على إنتاج وتسويق الكسكس الخماسي. هي قصة نساء تسلحن بالآمال والإرادة القوية ليعشن حياة كريمة.
هن مجموعة من النساء الصحراويات، لهن طموحات كبيرة وآمال في عيش كريم، لكنهن لا يملكن لذلك من سبيل سوى إرادة قوية، فتجمعن في تعاونية منذ ثلاث سنوات، لتصبح اليوم ملاذا لعدد من نساء منطقة واد الذهب الكويرة الراغبات في تحسين ظروف عيشهن.
الحلم يبدأ بفكرة
تنقية وفتل وغربلة، كلها عمليات يمر منها الكسكس الخماسي في تعاونية إنتاج وتسويق الكسكس الخماسي بمنطقة واد الذهب، قبل أن يصبح جاهزا لعملية التسويق. تقول شرادي فاطمة الغالية، مديرة التعاونية “التعاونية نسوية مائة بالمائة، وقد انبثقت عن الجمعية النسائية للتنمية المستدامة التي كنا نشتغل فيها على الكسكس والأرز بالسمك، حيث كانت الجمعية تشتغل بمصنع صغير للكسكس، وكنا كلما طلبنا الدعم نواجه بأننا جمعية وأهداف هذه الأخيرة غير ربحية، فجاءت الفكرة من رحم هذا الإطار الجمعوي الذي كان يضم المطلقة والأرملة والتي أبت إلا أن تساعد زوجها على قساوة الحياة. فتكتلن داخل هذا الإطار الجديد منذ ثلاث سنوات تقريبا، فوجدنا كل الدعم من طرف وزارة الفلاحة“.
التعاونية التي ترأسها فاطمة الغالية تنتج الكسكس الخماسي، الذي يتميز بكونه يتكون من خمسة أنواع من الحبوب وهي: دقيق القمح، دقيق الشعير، دقيق عادي، دقيق الذرة، دقيق مقلي، وتمر عملية إنتاجه بعدة مراحل تقليدية تتناوب عليها أفواج من النساء.
إنتاج الكسكس الخماسي أو ثلاثي وحتى السداسي يتم عبر مزج أو خلط هذه الأنواع من دقيق الحبوب بالقليل من الماء وتحويله إلى حبات صغيرة. وقبل أن يطهى بطريقة تقليدية لحوالي 20 دقيقة على البخار، تأتي عملية التجفيف التي تتم عبر نشره على ثوب رقيق ونظيف. هذه العمليات التي تأخذ الكثير من الجهد والوقت، تم الآن تعويضها بمجففات هوائية وأفرنة قائمة.
خلية نحل
تشتغل نساء تعاونية إنتاج وتسويق الكسكس الخماسي بمنطقة واد الذهب بشكل جماعي، ويبدأ العمل، تقول شرادي فاطمة الغالية“بعد جلب المواد الأولية، حيث تقوم ثلاث نساء بغربلة هذه المواد الأولية ثم تأتي اثنين من النسوة لقياس الوزن، لأن التعاونية تشتغل على الكسكس الخماسي الذي يحتاج إلى حساب النسب المائوية لكل مكون من المكونات الخمسة للكسكس“. وتشرح مديرة التعاونية قبل أن تسترسل قائلة “في البداية كانت التعاونية تشتغل بطرق تقليدية، حيث كنا نقوم بقياس الوزن بواسطة دلو، لكن بعض استقبالنا لمجموعة من الخبراء في إطار الدورات التكوينية التي تنظمها لنا الوزارة، أصبحنا نعرف جيدا كيفية أخذ النسب المائوية. ثم بعد ذلك يغربل الخليط ثم يدمج داخل خلاط، بعدها نمر لمرحلة “البريم” أو الفتيل ثم مرحلة التفوار في الكسكاس، بعد ذلك يوضع في صحن كبير ويجفف بواسطة المجفف أو الشوشوار ثم نقوم بقياس الوزن وتعبئة الكسكس داخل الأكياس ووضع التاريخ، ليصبح جاهزا للتسويق“.
استطاعت التعاونية منذ تأسيسها إلى اليوم تجاوز العديد من المشاكل والإكراهات، وتغلبت بفضل إرادة عضواتها على العديد من الصعوبات المتعلقة بالسير العادي للتعاونية، وشرعت في تسويق منتجاتها محليا ووطنيا وحتى دوليا، وهي اليوم تتطلع إلى مستقبل أفضل بالبحث عن شركاء وزبناء جدد.
التتويج الذهبي
“لدينا الطلب أكثر من العرض، فأسواق الجهة تعرف اقبالا كبيرا على الكسكس الخماسي، ومشاركتنا الدولية الأولى في الأسبوع الأخضر ببرلين أتاحت لنا الفرصة للتعرف على تجار جدد بألمانيا وربما هي مناسبة للاشتغال على كميات أكبر ولما لا تأسيس فروع أخرى في جهات مختلفة من المغرب حتى يصل الكسكس الصحراوي ذو الجودة العالية لكل بيت مغربي“، بهذه الجملة أجابتنا فاطمة الغالية الشرادي عندما سألناها عن مستقبل منتوجهن وسبل التعريف به. فاطمة الغالية كانت كلها أمل في غد أفضل لاسيما وأن المشروع لم يمض على تأسيسه سوى ثلاث سنوات، لكنه استطاع أن يشارك في العديد من التظاهرات الوطنية سواء في مكناس والشاون والبيضاء بالإضافة إلى منطقة الجنوب.
كما حصلت التعاونية على الميدالية الذهبية بمدينة الرباط عن منتوجها الكسكس الخماسي لجودته العالية واحترامه لكافة الشروط المطلوبة، تقول فاطمة الغالية “منتوجنا بدون مواد ملونة أو حافظة، منتوج طبيعي مائة بالمائة، وهو ما مكنه من الحصول على الميدالية الذهبية وتتويجه من بين المنتوجات الأخرى“.
تحسين المستوى المعيشي
وجدت المرأة الصحراوية في منطقة واد الذهب الكويرة في “التعاونية النسائية لإنتاج وتسويق الكسكس الخماسي“، فضاء لقضاء وقتها وكسب قوت يومها، حيث استطاعت هذه التعاونية، أن توفر لنسوة مدينة الداخلة وبالضبط منطقة واد الذهب، اللواتي يوجدن في وضعية صعبة، دخلا ماديا مناسبا عبر مشروع إنتاج الكسكس الخماسي. حيث استطعن تحقيق استقلالية مادية، تعلق مديرة التعاونية “صحيح انه ليس دخلا قارا، لأن التعاونية لازالت في البداية. لكنه يبقى مدخولا يساعد لا محالة في تحسين مستوى عيش المنخرطة“.
آمال وطموحات كبيرة تلك التي تعيش عليها منخرطات التعاونية النسائية في عيش كريم ومستقبل أفضل.