غادرنا إلى دار البقاء، صباح اليوم الثلاثاء 3 ديسمبر 2024، الفنان القدير مصطفى جمال الدين المعروف باسم مصطفى الزعري عن عمر يناهز 79 عامًا، بعد صراع طويل مع مرض سرطان البروستات. برحيله، يفقد المغرب واحدًا من أعمدة التمثيل والكوميديا، الذي أثرى الساحة الفنية بأعماله الهادفة والراقية.
مسيرة فنية زاخرة
ولد مصطفى الزعري في الخامس من نوفمبر 1945 بمدينة الدار البيضاء، ونشأ في منطقة درب السلطان بين درب اليهودي ودرب كلوطي. فقد والده وهو في الثالثة من عمره، فتولت والدته تربيته و رعايته كما أنها دعمت شغفه بالفن منذ الصغر .
بدأت علاقته بالمسرح عندما أرسلته والدته لنادٍ مسرحي . هناك، اكتشف الفنان شغفه الحقيقي، الذي قاده للالتحاق بفرقة الإخوة، ثم المعهد البلدي حيث تلقى تكوينه على يد كبار المخرجين مثل الطيب الصديقي وأحمد الطيب العلج. لاحقًا، انضم إلى فرقة البدوي، لتبدأ رحلته الفنية الفعلية عام 1963 من خلال أعمال مسرحية متنوعة.
كوّن الزعري ثنائيًا فنيًا مميزًا مع الفنان مصطفى الداسوكين رحمه الله ، وحققا نجاحًا باهرًا خلال الثمانينيات. من بين أبرز أعمالهما المسرحية “النواقسية”، التي عُرضت مباشرة على التلفزيون المغربي عام 1967، و كانت هي بوابة انطلاقتهما نحو الشهرة.
إرث فني خالد
تنوعت إسهامات مصطفى الزعري بين المسرح، التلفزيون، والسينما. من أعماله المسرحية المميزة: حلوف كرموس، العائلة المثقفة. وفي التلفزيون، أبدع في مسلسلات مثل: ستة من ستين، وبيوت من نار. أما في السينما، فشارك في أفلام مغربية وأجنبية، مثل: الطفولة المغتصبة ، الرسالة.
كان الزعري مثالًا للفنان الذي يحترم جمهوره، إذ اشتهر بأعماله الهادفة وأدائه الكوميدي الراقي الذي لا يخدش الحياء، ما جعله جزءًا من “الجيل الذهبي” الذي أرسى معايير الاحترام في الفن.
وداع مؤثر
نعى العديد من زملاء الراحل وفاته بحزن وأسى. حيث كتب الفنان محمد الشوبي: “الله أكبر. الرحمة والمغفرة من رب كريم. رحم الله الفنان مصطفى الزعري.” أما الفنان عزيز داداس، فقال: “الله يرحمك. الأستاذ مصطفى الزعري في ذمة الله.”
و قد شارك الفنان رشيد الوالي على حسابه في الانستقرام رسالة مؤثرة أشار فيها إلى أن الراحل كان من جيل يقدّر الفن ويقدّم أعمالًا هادفة، مشددًا على أن الزعري يمثل قدوة في الالتزام المهني والأخلاقي.
“انا لله وإنا إليه راجعون . عزائي لعائلة المرحوم وزوجته وأبنائه . اللهم اجعل مثواه الجنة . رحيل فنان كان من الجيل الذهبي جيل الحشمة والوقار واختيار الكلمة التي لا تخدش والمواضيع لهادفة . جيل صنع نفسه بهدوء وإصرار. لن ننسى الثنائي الزعري والداسوكين في سهرات يوم السبت . كنا نضحك ولا نخجل من أن يشتت جمعنا ألفاظ خادشة . صحيح مكانش فلوس ليوم . ولكنهم عبروا الزمن هو وأمثاله كنا لا نعرف مشاكلهم ولا خصامهم مع زوجاتهم لأنهم كان يعلمون أن صورة الفنان يجب أن تكون قدوة . رحمه الله واسكنه فسيح جنانه”
برحيل مصطفى الزعري، يخسر المغرب رمزًا فنيًا قلّ نظيره. سيبقى إرثه الفني خالدًا، يروي للأجيال القادمة حكاية فنان عاش ليُضحك الناس ويترك بصمة لا تُنسى في تاريخ الفن المغربي.