ما بين العوامل النفسية والضعف الجسدي، تكون نتيجته زوال المشاعر الحارة المرتبطة بالرغبة الحميمية، عندئذ لا يعود لدى أحد الزوجين أو كليهما القدرة على المبادرة بأي حافز حميمي مثير، ولكن حتى وإن إستطاع أحدهما أن يبادر، فربما لن تلقى مبادرته صدى لدى الطرف الآخر.
وإذا دخل الزوجان معا مرحلة البرود الجنسي، فربما تسير الأمور على فتورها دون طلاق، ولكن الخطورة الحقيقية على إستمرار الزواج، تكمن في حالة ما إذا أصاب البرود أحد طرفي العلاقة الزوجية، بينما الطرف الآخر مازال يتمتع برغبته الحميمية وقدرته الجسدية، عندئذ، وإن لم يسارع الزوجان متضامنين لإنقاذ زواجهما، ومساعدة الطرف المصاب بالبرود الجنسي بالعلاج النفسي أو العضوي المتخصص حسب الحالة، فإن الطلاق محتمل، والخيانة واردة، والمشاكل حتمية لا مفر منها.
حالات متعددة بالمجتمع، ولكن بصعوبة، وبعد مشقة، وجدنا من يمكنها أن تحكي عن تجربتها، وأن تعيد على نفسها ذكريات مازالت مؤلمة، فالحديث عن الألم يضيف ملحا كاويا على الجرح الذي لم يندمل بعد.
“أمينة” بعد تردد كبير وبارتباك واضح تحكي حديثا تقاطعها خلاله دموعها: تزوجت وأنا في الخامسة والعشرين من عمري من أحد أقربائي، وبعد تجربة حب سريعة، كنت أراه في إطار المناسبات العائلية، وكنت أسمع سيرته العطرة من الجميع، أحبني وأحببته وبعد وقت قصير تزوجنا، كنت في قمة سعادتي وأنا أتزوج شابا أحببته، واعتبرت أن الحب الذي ربطنا بسرعة يبعث على التفاؤل الكبير بحياة زوجية هانئة، لكن كل ما تمنيته وملأ قلبي بهجة، إنتهى بعد أيام قليلة من الزواج، بل منذ ليلة الدخلة.
فبعد انتهاء حفل الزواج وأصبحت وزوجي وحدنا، لم يقترب مني، ساعات مرت كنا نتحدث، ونتبادل كلاما مرحا وإطراء متبادلا، تماما كما كنا فترة الخطوبة القصيرة، في البداية فسرت ذلك على أنه يلزمنا بعض الوقت للدخول في مرحلة جديدة من العلاقة الإنسانية الخاصة جدا، تحتاج لتدرج وتأهيل نفسي وجسدي، مرت أيام والحال كما هي وكأننا لم نكن ننتظر لحظة أن نكون معا يجمعنا رباط الزواج المقدس!، بدأ القلق يتسرب إلى نفسي ليس لأهمية العلاقة الحميمية في حد ذاتها، ولكني لم أجد ابتعاد زوجي عني أمرا طبيعيا، إستمر يعاملني كخطيبته، نتبادل الضحكات حول موائد الطعام الشهية التي أمطرتنا بها والدتي، وتفننت في إعدادها، إلى أن جاءت لحظة ربما قرر زوجي أن يقترب مني فأحسست ببروده، ساورتني الشكوك واستبد بي القلق من أجله ومن أجل نفسي وبيتي الناشئ، خفت أن يكون الأمر أكثر من كونه صعوبة في كسر الحواجز النفسية، فكرت أن أساعد زوجي في التغلب على إرتباكه، وتحويل بروده إلى تفاعل طبيعي معي، فبادرت بإثارته، كانت ردة فعله مفاجأة صادمة، إذا بدأ بتوجيه الإهانات لي وإنهال على بطوفان من الكلمات الجارحة، دفعته بعيدا عني وانزويت في زاوية الغرفة، أبكي من وقع تصرفه الصادم، بعد لحظات وجدته يجلس بجواري وقد سيطرت عليه نوبة من البكاء المر، دموعه تنهمر كالمطر، يقبل يديْ وقدميْ، وبصوت تبلله الدموع يعتذر بكل ضعف وإنكسار، رق قلبي لدموعه، تناسيت الأمر وتجاوزته مع أني لم أفهم ما حدث، في اليوم التالي اقترب مني، لم أمنعه واستجبت له لكنه في لحظة معينة، ربما اكتشف عندها أنه بالفعل يعاني برودا جنسيا، فتغير الأمر كله إلى خصام معي، ثم أتى باكيا معتذرا مهزوما، أدركت أنه بالفعل مصاب بالبرود الجنسي، ولكن بدلا من الإهتمام بالعلاج وإيجاد حل لمشكلته، فإنه كان يهرب من مواجهة نفسه، فيفتعل معي خصاما من لاشيء، ولم يعد من وسيلة لذلك، بعد تردد إتخذت قراري الصعب، قررت أن أرحل وأن أطلب الطلاق، ليس لغياب العلاقة الحميمية، بل لحالة الإضطراب التي سيطرت على سلوك زوجي، جمعت أغراضي وقررت مغادرة المنزل في منتصف شهر المفترض أن أيامه مغمسة بالعسل، حسب الدعايات التي يطلقها عليه المتفائلون، بينما هو شهر الصدمة والمفاجأة. عندما هممت بالخروج من البيت، إستوقفني زوجي وانهمرت دموعه كعادته، لكنني كنت قد حزمت أمري، وغادرت البيت، وأنهيت مغامرة عجيبة، لم أكن أتوقع إطلاقا أنني سأمر بها، وبعد مرور عام كامل على الطلاق تمنيت خلاله أن أفهم ماحدث، ولكنني الآن لم أعد أهتم بتفسير ماحدث، فقط أتمنى أن أنساه.
“حسناء” زوجة لها رأيها الحاد ضد الأزواج جميعا، فغالبا ما يرى كل إنسان كامل الحياة، وكل البشر من خلال تجربته هو فقط، تقول “حسناء” : نحن النساء نتزوج لنصبح أمهات، نحمل، ونتحمل مشقة ووهن الحمل، ننجب، ونربي، ونتعب، ونخدم البيت، بينما الرجال لا هم لهم سوى المتعة. تهدأ حسناء قليلا ثم تتابع قصتها : تزوجت منذ خمس سنوات، زوجي يكبرني بعامين، خلال السنوات الخمس أنجبت طفلتين بعد ثلاث مرات أصابني فيها إجهاض مبكر في أول شهرين من الحمل، بعد نزيف حاد في كل مرة كاد أن يقضي على حياتي، لكن الله لطف بي، وفي ولادة طفلتيْ الإثنتين عانيت كثيرا، فكانت الولادة متعثرة في كل مرة وحدث تدخل جراحي لمساعدتي، كل ذلك ترك لي آلاما موضعية، تجعل من العلاقة الحميمية بالنسبة لي عبئا ثقيلا أتحمله فقط من أجل زوجي، ولكن بالنسبة لي فهي تجربة ترتبط بالألم، وحتى دون ألم لم تعد لها أهمية، أنا إنسانة جادة أركز جهدي في تربية الطفلتين، أعتني بهما أفضل عناية، بيتي مرتب ونظيف على الدوام، لا أسمح لحشرة أو ذرة غبار بالتواجد فيه، مطبخي مضرب المثل بين أقاربي وصديقاتي، لا أرهق زوجي بأي طلبات خارج حدود قدراته المادية، علاقتي ودية تماما بأهل زوجي جميعا وحماتي بوجه خاص، أعاملها كأمي، بيتي مستقر تماما، فقد سعيت لذلك بكل عزيمة وجهد، لكني أفقت ذات مساء على صاعقة أفقدتني عقلي وسكينتي، ونسفت كل ما كنت أعرفه عن الزواج والأزواج وزوجي على وجه الخصوص، بإختصار زوجي يخونني، لم يقدر ما أفعله له ولأسرتنا ولأهله، الفراش هو الحاكم لعقل الزوج وتصرفه، لا البيت ولا الأسرة، ولا الأطفال، فقط الفراش، مع أني لم أمنعه حقه في الفراش، متحملة الألم ومتغلبة على ما أعترف أنه برود جنسي، ولكن ماذا عساني أن أفعل؟ مادمت طيّعة له حينما يريد، ورغم ظروفي لم أتمنع في يوم من الأيام، فماذا يريد الزوج؟ لدينا نحن النساء مراكز إهتمام مختلفة تماما عن الرجال، الحياة هي رغبتنا، بينما الرغبة هي حياتهم!!! لم أطلب الطلاق وسوف أخفي عنه معرفتي بخيانته أو خياناته، فقد انزلق إلى المنحدر وسيصل حتما إلى القاع، عندئذ ربما يعود إلى رشده، أما أنا فسأواصل عنايتي بطفلتيْ، بل سأزيد من رعايتي لهما، وسأرعاه كذلك، فهو مازال زوجي حتى الآن، ولكنه سيظل دائما أبا لطفلتيْ الجميلتين.
ولأن الإنسان دوما يروي تجربته ليبرر ما قام به في كل الحالات، تلك إفادة من هذا النوع يرويها زوج عن تجربته مع البرود الجنسي الذي أصاب زوجته، يقول “عادل” بعد مرور أربع سنوات على الزواج لم أعد أحس بزوجتي التي كانت شعلة متقدة في بداية الزواج، تغيرت الأمور، أصبحت أجدها قطعة من الجليد القطبي، هي لا تتكلم كثيرا بطبعها وتؤثر الكتمان، فلا تبوح بسهولة بما تفكر فيه، جعلني صمتها وبرودها أفكر في السبب، أستبدت بي الشكوك، فرحت أتساءل ربما زوجتي تخونني، بالتالي لم تعد لها رغبة حميمية لفراش الزوجية، ربما لم تعد تحبني فتراجعت رغبتها الحميمية، سيطرت الحيرة على نفسي، وضاق صدري بما فيه، فحكيت لصديقتها المقربة، فكانت المفاجأة التي غيرت حياتي، صديقتها تفهمتني بسرعة، وتعاطفت معي، وقدرت ما كنت أقاسيه، أحسست أخيرا أني وجدت من تفهمني، وتتفاعل مع أحاسيسي بسرعة مذهلة، دون الكثير من الإنتظار طلبت منها الزواج، مانعت في البداية لأن زوجتي هي صديقتها المقربة، لكن الحب أثبت أنه أقوى من الصداقة، أقدمت على الخطوة الجريئة، طلقت زوجتي وتزوجت صديقتها، لم أفعل شيئا أستحق أن يلومني أحد عليه، علمت أن طليقتي أصابها إنهيار عصبي، لكن لم يعد أمرها يهمني في شيء، فأخيرا وجدت سعادتي، وودعت برودة الثلج.
زيجات كثيرة تساقطت على فراشها ثلوج البرود الجنسي، فبردت الدماء في شرايين العلاقة الزوجية، لتموت متجمدة، ولكنه وبالتأكيد هناك حالات إنتهت بالطلاق كان يمكن للمكاشفة والتفاهم بين الزوجين بيان أسباب البرود الجنسي والتغلب عليه باللجوء إلى الطبيب إذا كان السبب عضويا أو نفسيا، وبالتأكيد أيضا كانت هناك فرصة لدى حالات أخرى كثيرة لاستعادة دفء العلاقة الحميمية حتى دون طبيب، ولكن بالقليل من التفهم والإنفتاح على فكر وثقافة واحتياجات شريك العمر.