أطلقت مؤسسة رونو المغرب منذ عام 2019 مشروع “الببليوباص”. وهو برنامج تربوي وثقافي متنقل يستهدف تلاميذ المدارس العمومية في مناطق مختلفة من المغرب، خاصة تلك التي تعاني من نقص في البنيات الثقافية والتربوية. من خلال عربة مجهّزة كمكتبة متنقلة، جابت المبادرة مناطق الدار البيضاء وطنجة. إضافة إلى إقليم شيشاوة بمنطقة مراكش-آسفي، في إطار دعم المتعلمين المتضررين من الزلزال.
خلال ست دورات متتالية، استفاد من أنشطة “الببليوباص” حوالي 50 ألف تلميذ وتلميذة. بفضل ورشات غنية تتنوع بين القراءة، المسرح، الفنون التشكيلية، السينما التربوية والقصص المصورة. ما ساهم في تعزيز التعلّق بالقراءة وتقوية فرص الاستمرار في التمدرس .
دعم تربوي ميداني بشراكة مجتمعية
تقوم المبادرة على شراكة بين مؤسسة رونو المغرب، جمعية “الجسر” ومؤسسة “هبة”. وتنفّذ بأنامل فريق بيداغوجي متخصص، يضم منشطين ذوي تجربة في التربية والتعليم الفني. يشكّل الحضور المنتظم لهذا الفريق داخل المؤسسات التعليمية عنصرًا محوريًا في بناء الثقة مع التلاميذ والأساتذة، وضمان ملاءمة الأنشطة مع حاجيات كل مستوى دراسي.
الورشات المقدّمة لا تقتصر على الترفيه، بل تسهم في بناء مهارات التلاميذ، تنمية خيالهم، وتوسيع أفقهم المعرفي. مما يجعل من “الببليوباص” أكثر من مجرد مكتبة متنقلة، بل تجربة تربوية متكاملة.
مكتبات مدرسية وتكوين للأساتذة
سعيا لتأمين أثر دائم، قامت المبادرة بإنشاء مكتبات داخل عدد من المدارس والفصول. كما نظّمت دورات تكوينية لفائدة حوالي 500 أستاذ وأستاذة حول أدوات بيداغوجية حديثة. وقد تجاوز أثر المشروع الفضاء المدرسي، ليشمل أيضًا الأسر. حيث استفادت أكثر من 17 ألف عائلة من حملات تحسيسية بأهمية القراءة في النمو المعرفي للأطفال.
نحو تعليم دامج ومتوازن
مع أكثر من 8500 ساعة ورشات تربوية، يعكس مشروع “الببليوباص” رؤية متجددة للمدرسة، باعتبارها فضاءً حيًّا، شاملاً، ومفتوحًا على الثقافة والفنون. كما يعزز التزام مؤسسة رونو المغرب وشركائها بإرساء مبدأ تكافؤ الفرص، والتصدي للهدر المدرسي عبر مبادرات ميدانية تشمل تأهيل المدارس، تسهيل التنقل، تقديم المنح، وإدماج التكوين المهني.
شركاء برؤية موحّدة
تلتقي أهداف المبادرة مع الرؤية التربوية لكل من جمعية “الجسر”، المؤسسة منذ 1999 والمنخرطة في تحسين أداء المنظومة التعليمية عبر شراكات فعالة مع القطاع الخاص، ومؤسسة “هبة”، التي تأسست سنة 2006 بمبادرة من صاحب الجلالة الملك محمد السادس، وتعنى بإتاحة الفنون والثقافة للشباب عبر برامج تكوينية وفضاءات مثل سينما النهضة، استوديو هبة، ومختبر “هبة لاب”.
ختاما في زمن تتزايد فيه التحديات التعليمية وتتراجع فيه العلاقة الناشئة بالقراءة، يبرز “الببليوباص” كنموذج مغربي مبتكر يعيد الاعتبار للكتاب، ويجعل من الثقافة والفن أدوات فاعلة في ترسيخ تعليم أكثر عدالة، شمولية واستدامة.